إفلاس وعجز مالي وهروب للاستثمارات.. كيف تبدو صورة الوضع الاقتصادي في "إسرائيل"؟

شهاب / تقرير


تكبد الكيان الإسرائيلي خسائر اقتصادية باهظة خلال الحرب الراهنة التي يشنها على قطاع غزة، حيث يواجه بعد 11 شهراً من الحرب أكبر تحدٍ اقتصادي له منذ سنوات، حيث تُظهر البيانات أن اقتصاد "إسرائيل" يشهد أشد تباطؤ بين أغنى دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية".
ويبدو الاقتصاد الإسرائيلي في أسوأ أحواله هذه الأشهر، بينما تقترب هذه الحرب من أن تكمل عاماً كاملاً، وهي أطول الحروب الإسرائيلية على الإطلاق، حيث يواجه إفلاسات كبيرة وعجر مالي بالإضافة لهروب رؤوس الأموال وأصحاب الاستثمارات من الكيان، وخصوصًا قطاع التكنولوجيا.
ولا شك في أن التحديات الاقتصادية التي تواجهها "إسرائيل" لا تذكر مقارنة بالتدمير الكامل للاقتصاد في غزة، لكن الحرب المطولة لا تزال تلحق الضرر بالتمويل الإسرائيلي، والاستثمارات التجارية، وثقة المستهلكين، وفق تقرير نشره موقع "ذا كونفرسيشن".
وانكمش الناتج المحلي الإجمالي في "إسرائيل" بنسبة 4.1% في الأسابيع التي أعقبت هجمات السابع من أكتوبر 2023، واستمر الانحدار حتى عام 2024، حيث انخفض بنسبة 1.1% و1.4% إضافية في الربعين الأولين.
وقدر بنك "إسرائيل" أن تكلفة الحرب ستصل إلى 67 مليار دولار أميركي بحلول عام 2025. وحتى مع حزمة المساعدات العسكرية البالغة 14.5 مليار دولار أميركي من الولايات المتحدة، فقد لا تكون مالية "إسرائيل" كافية لتغطية هذه النفقات، مع عدم حسبان انزلاق "إسرائيل" في حرب شاملة.

أبرز الخسائر


المحلل والباحث الاقتصادي أحمد أبو قمر رصد صورة الوضع الاقتصادي الإسرائيلي، وقال إن الحرب الإسرائيلية المطوّلة لا تزال تلحق الضرر بالتمويل الإسرائيلي، والاستثمارات التجارية، وثقة المستهلكين. 
وأضاف أبو قمر، أن الناتج المحلي الإجمالي لـ"إسرائيل" انكمش بنسبة 4.1% في الأسابيع الأولى التي أعقبت السابع من أكتوبر عام 2023، واستمر في الانحدار خلال 2024، حيث انخفض بنسبة 1.1% و1.4% إضافية في الربعين الأولين.
وأشار الى أن ميزانية الحكومة الإسرائيلية سجلت عجزا قدره 12.1 مليار شيكل (3.24 مليار دولار أميركي)، خلال شهر أغسطس 2024، وهي نفقات الحرب هي السبب الرئيسي لعجز الميزانية.
ولفت إلى أن العجز في الميزانية الإسرائيلية نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي ارتفع خلال الإثني عشر شهرا حتى أغسطس 2024 إلى 8.3% من 8% في يوليو، ومقارنة بهدف يبلغ 6.6% لعام 2024 بأكمله، مشيرًا الى أن "اقتصاد الكيان اعتاد خلال السنوات الأخيرة الحديث عن الفائض بالميزانية".
وأكد أبو قمر أن أكثر من 46 ألف شركة أفلست بشكل رسمي، وتوقفت السياحة، وانخفض التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل"، كما أن السندات الإسرائيلية أصبحت بأسعار تقارب مستويات السندات غير المرغوب فيها. 
ونبه إلى أن الاستثمارات الأجنبية تراجعت بنسبة 60% في الربع الأول من عام 2024، ولا مؤشرات على حالة التعافي، فيما تخلت شركة إنتل عن خطة استثمارية في "إسرائيل" بقيمة 25 مليار دولار، في مؤشر على ابتعادها عن شراء السندات الحكومية الإسرائيلية.
وفي تطور ملحوظ، وفق أبو قمر، فقد أعلن بنك "باركليز" البريطاني -وهو مُقرض مهم للسوق الإسرائيلية- عن وقف التسويق للسندات الإسرائيلية في أغسطس الماضي.
وأكد على أن "إسرائيل" تعاني من أزمة هجرة كبيرة بين الأكاديميين، خصوصا في ظل انخفاض الأبحاث المشتركة مع الجامعات الخارجية بشكل حاد، وهو أحد الإفرازات المهمة للحراك الطلابي العالمي الرافض للحرب على غزة.
وشدد على أن قطاع شركات الأسلحة هو القطاع الوحيد في الاقتصاد الإسرائيلي لم يبلغ عن انهيار مالي بسبب الحرب.
ونوه إلى أن عشرات الاقتصاديين إسرائيليين أكدوا أن الحكومة الإسرائيلية في أمسّ الحاجة لإجراءات عاجلة للتعامل مع الأزمة، وإنهاء الحرب، وخفض الإنفاق العام، وزيادة الضرائب، واستعادة ثقة الجمهور في المؤسسات العامة في "إسرائيل"، وإصلاح علاقات "إسرائيل" الخارجية، خاصة مع الدول التي تعتمد عليها في التجارة مثل دول الاتحاد الأوروبي وتركيا وكولومبيا.

فجوة كبيرة


وبخصوص سوق العمل في الكيان الإسرائيلي، قال المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر، إن سوق العمل الإسرائيلي يعيش فجوة كبيرة في العمال وخصوصا في قطاع البناء الذي يعاني عجزا كبيرا في الأيدي العاملة مع توقف أغلبية العمال الفلسطينيين.
وأضاف أن العمال الفلسطينيين يتميزون بكونهم أقل تكلفة من غيرهم في السوق الإسرائيلي، وأكثر مهارة، في وقت لن تضطر فيه "إسرائيل" لدفع جزء من العملة الصعبة للعمال الفلسطينيين.
واستدل أبو قمر بتقرير لمؤسسة "ستارت أب نيشن" الإسرائيلية الذي يتناول وضع الشركات الناشئة، وخلُص إلى أن الشركات الناشئة الإسرائيلية تعاني من عدم اليقين المالي بسبب الحرب، كما أبلغت 49% من شركات التكنولوجيا الإسرائيلية عن إلغاء استثماراتها في "إسرائيل" بسبب الحرب.
ولفت إلى أن 31% من الشركات الناشئة فقط أعربت عن ثقتها في أنها ستكون قادرة على جمع الأموال في العام المقبل 2025، في حين 48% من الشركات الناشئة توقعت انخفاضًا في النشاط الاستثماري في العام المقبل 2025.
وأكد أبو قمر أن الوضع الأسوأ للشركات الناشئة يتركز في "إسرائيل"، 69% من شركات التكنولوجيا في الشمال تحدثت عن قلقها الكبير بشأن قدرتها على جمع الأموال في العام المقبل 2025.
وأشار إلى أن 80% من الشركات في جميع أنحاء "إسرائيل" أعربت عن شكوكها حول قدرة الحكومة على قيادة جهود التعافي في الاقتصاد الإسرائيلي، في حين قالت إن 40% من الشركات الناشئة في "شمال إسرائيل" تفكر في نقل أنشطتها، سواء كليًا أو جزئيًا، إلى مواقع أخرى.
ومن جهته، قال كبير الاقتصاديين السابق في وزارة المالية الإسرائيلية يوئيل نافيه: "إذا فشلت الحكومة الإسرائيلية في معالجة ميزانية العام المقبل بشكل مسؤول من خلال تنفيذ تخفيضات الإنفاق اللازمة، وزيادة الضرائب، والإصلاحات المعززة للنمو، فستواجه أزمة مالية خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة".

ضرر كبير


وقال كبير خبراء الاقتصاد في بنك "مزراحي تيفاهوت"، رونين مناحيم، إن نصيب الفرد انكمش من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالربع السابق ومقارنة بالربع المقابل من العام الماضي، "وهو رقم يشير بوضوح إلى الضرر الكبير الذي تسببه الحرب الجارية للاقتصاد"، حسب تعبيره.
من جهته، صرح جوناثان كاتس كبير المحللين لدى "ليدر كابيتال ماركتس" لوكالة رويترز أن الاقتصاد يواجه صعوبة في التعافي بسبب الحرب، ويرجع ذلك بالأساس إلى مشكلات العرض وليس الطلب، ومشيراً إلى أن النقص في العمالة الفلسطينية منذ اندلاع الحرب في غزة يحول دون حدوث تعاف كامل للاستثمار في بناء المساكن.
وأظهرت الأرقام الصادرة يوم الخميس الماضي ارتفاع معدل التضخم إلى 3.2% في يوليو/تموز من 2.9% في يونيو/حزيران، وهو ما تجاوز هدف التضخم السنوي الذي حددته الحكومة بين 1 و3% ووفق وكالة رويترز، من المقرر أن يتخذ بنك "إسرائيل" المركزي قراره المقبل بشأن أسعار الفائدة في 28 أغسطس/آب الحالي.
وفي غضون ذلك، سلطت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الضوء على التصعيد المتبادل بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله اللبناني على تعطيل القوى العاملة في مناطق شمال فلسطين المحتلة وذلك بسبب نزوح عشرات الآلاف من المستوطنين بالقرب من الحدود اللبنانية وتسبب الوضع الأمني في تعطيل القوى العاملة.
كما أشار جوناثان كاتس كبير المحللين لدى "ليدر كابيتال ماركتس" إلى أن "إغلاق الأنشطة التجارية في الشمال والجنوب (الزراعية والتجارية) يؤثر أيضاً في النمو".
وتأتي بيانات النمو الضعيفة في أعقاب تخفيض وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني لإسرائيل من A+ إلى A الأسبوع الماضي، التي حذرت من أن "النزاع في غزة قد يستمر حتى عام 2025 مع وجود مخاطر من اتساعه إلى جبهات أخرى".
وأشارت إلى أنه "بالإضافة إلى الخسائر البشرية، قد ينتج عن ذلك إنفاق عسكري إضافي كبير وتدمير للبنية التحتية وأضرار أكثر استدامة للنشاط الاقتصادي والاستثمار، ما يؤدي إلى مزيد من التدهور في مقاييس الائتمان الإسرائيلية".

صورة قاتمة


وكان تحليل صحيفة "يديعوت أحرونونت" رسم صورة قاتمة لمستقبل "إسرائيل" في ظل استمرار الحرب، مسلطةً الضوء على أن تناقص النمو مع مرور الوقت سيؤدي إلى انكماش الاقتصاد وإنتاج المصانع أقل وبالتالي تأثر الربح، وتتضرر الصادرات وتنخفض بدلاً من أن تنمو، وهذا يؤثر أيضاً في الدخل المتاح للمواطنين، الذين يشترون منتجات أقل، ما يؤدي إلى دوامة من الضرر والتراجع لأن الشركات والمتاجر نتيجة لذلك قد تواجه صعوبات وتسريح العمال.
وقالت الصحيفة: "ربما لا يبالي الكثيرون بالوضع، لأنهم لم يشعروا بعد بآثار النمو السلبي في جيوبهم، إذ لم يُسرح العمال بعد، فمعدل البطالة الآن منخفض إلى حد ما (ما يزيد قليلاً على 3%)، ولا تزال المصانع والشركات لا تغلق أبوابها بمعدل أعلى من الأيام العادية، ويبدو أن الاقتصاد لا يزال يعمل بمعدل معقول، ولكن الأرقام تشكل إشارات مقلقة لما قد يحدث، إذا لم نستوعب الأمر في الوقت المناسب ونغير الاتجاه".
وأضافت: "استمرار الحرب، إلى جانب الافتقار إلى خطة طوارئ اقتصادية وتجميد مناقشات الميزانية، لا يبشر بالخير، وبدلاً من التفكير في كيفية الخروج من الوضع المخزي الذي نحن بصدده، فإن وزير المالية ورئيس الوزراء مشغولان بأمور أخرى. وإذا بدأ الركود هنا، كما تحاول الأرقام أن تشير إلينا، فإن هذا يعني فترة طويلة نسبياً من تباطؤ النشاط الاقتصادي. وسوف تنخفض التجارة، وينخفض الإنتاج والتشغيل، وسوف يصبح الركود الاقتصادي، الذي ستشعر به كل أسرة في إسرائيل، مسألة وقتٍ فقط".

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة