"لا تستطيع العيش في فتنازيا، فالحرب لن تنتهي"..

كيف حرم رحيل السَّنوار "إسرائيل" والتكنولوجيا الأمريكيَّة من صورة النَّصر؟ محللون وصحف غربيَّة توضح

محلِّلون يفسِّرون: كيف حرم رحيل السَّنوار "إسرائيل" والمخابرات الأمريكيَّة من صورة النَّصر؟

أعلن رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خليل الحية، الجمعة، استشهاد رئيس الحركة يحيى السنوار، في مواجهة عسكرية مع الاحتلال الإسرائيلي بتل السلطان في رفح جنوبي قطاع غزة.

ولا تقل طريقة استشهاد القائد يحيى السنوار في أهميتها عن حدث استشهاده نفسه، فمن جانب، فإن الرواية الإسرائيلية التي تقول إن اغتياله كان محض صدفة، دون تخطيط مسبق من المخابرات والجيش الإسرائيليين، ومن جانب آخر، بوجود السنوار وسط مقاتليه خلال عملية قتله يدحض ادعاءاتها السابقة بأنه كان يتحصن في الأنفاق ويحتمي بالأسرى الإسرائيليين لديه؛ للحفاظ على حياته وللبحث عن خروج آمن له من غزة.

ووفقٍا للبًاحث السياسي سعيد زياد، فإن السنوار كان يعلم أنه ميت على كل حال منذ أن أطلق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكنه مات مقاتلا غير مختبئ.

كما أن موت السنوار -برأي زياد- "يمنحه بطولة يستحقها رجل مثله لأنه مات وسلاحه في يده ولم يكن مختبئا كالجرذان ولا محاطا بالأسرى المدنيين، كما كان يردد قادة إسرائيل طيلة الوقت". فضلا عن أنه استشهد صدفة وليس نتيجة عمل استخباري ولا عسكري معقد.

واتفق الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين مع حديث سعيد بقوله إن موت السنوار جاء مكللا بالصدف وحرم إسرائيل من إخراج صورة تجعل موته يمنحها نصرا تبحث عنه كما اعتادت في كل عمليات الاغتيالات التي جرت بتخطيط مسبق.

وبناء على هذه الملابسات، فقد خرجت عملية استشهاد الرجل طبيعية كما حدثت ولم تمنح السردية الإسرائيلية فرصة التدخل بها، كما يقول جبارين، مشيرا إلى أن السنوار كان هدفا تبرر إسرائيل الكثير من عملياتها بحجة البحث عنه، مما يعني أن المعطيات حاليا تدفعها للجلوس على طاولة المفاوضات بعد مقتل المطلوب رقم واحد بالنسبة لها.

وكما يقول زياد، فقد قتلت إسرائيل السنوار ولم تغتله بدليل أنها أخذت جثته حتى تتأكد من هويته، ومع ذلك فإن استشهاده يمثل ضربة أمنية ثقيلة لحماس لكنها لن تكون نهاية لها.

فقد خسرت حماس -حسب زياد- الكثير من القيادات الثقيلة والمؤثرة وتمكنت من تجاوز الأزمة رغم أنها لم تكن تمتلك ما تمتلكه اليوم من قيادات بديلة. ومن ثم "فإن الحركة قد تصبح أكثر راديكالية حسب التوصيفات الإسرائيلية".

وأشار زياد إلى أن حماس ستتأثر برحيل السنوار وكذلك قطاع غزة لكنهما لن يسقطا بعده كما لم يسقطا عندما استشهد عبد العزيز الرنتيسي الذي كان الخليفة الوحيد تقريبا في حينه لمؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين.

وقال إن الوصول إلى رجل بحجم السنوار عن طريق الصدفة يجعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عاجزا عن تقديم رواية نصر لهذه العملية التاريخية، وهو المعروف بأنه ملك الرواية وملك الصورة.

وسيواجه نتنياهو حاليا -كما يقول جبارين وزياد- تساؤلات بشأن جديته في استعادة الأسرى ووقف الحرب التي لطالما حمّل السنورا مسؤولية فشل التوصل لاتفاق بشأنهما.

وبعيدا عن كل هذه التفاصيل، فإن إسرائيل تواجه معضلة كذبة رواية اختباء السنوار وصعوبة الوصول إليه بعدما استشهد الرجل في مواجهة عادية داخل منزل على سطح الأرض، كما يقول جبارين.

وعلى الصعيد المستقبي، أكد محللون أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على أتم الاستعداد لمواصلة عملها المقاوم وملء الفراغ القيادي الناجم عن استشهاد رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة يحيى السنوار.

ووفق قراءة سياسية للوضع الراهن، يقول الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني ساري عرابي "من الواضح أن حركة حماس كانت متوقعة مثل هذا السيناريو، وقد رتبت أمورها وبنت تنظيمها على أساس وجود بدائل قيادية جاهزة للعمل في أي لحظة".

ويضيف عرابي أن استشهاد السنوار بهذه الطريقة يحمل عدة دلالات مهمة، تتمثل في تفوق السنوار على الاحتلال الإسرائيلي أمنيا واستخباراتيا على مدى أكثر من عام، رغم الادعاءات الإسرائيلية المتكررة عن محاصرته.

كما أشار عرابي إلى قدرة السنوار على مواصلة عمله وقيادته للحركة حتى اللحظات الأخيرة، رغم كل الظروف الصعبة والمعقدة، "حيث كان يعقد اجتماعات، ويصدر تعليمات من فوق الأرض -وليس مختبئا في الأنفاق، كما روجت إسرائيل- ومستعدا للقتال والمواجهة المباشرة، كما تظهر الصورة التي انتشرت له وهو يحمل سلاحه حتى لفظه آخر أنفاسه".

 حرم الاستخبارات الإسرائيلية وتكنولوجيا أمريكا من فرصة التعويض عن إخفاقها في 7 أكتوبر

على مستوى الصحف الغربية، نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا أعده جوليان بورغر، قال إنه وبعد عام من الحرب، واجه الجنود الإسرائيليون زعيمَ حماس بدون أن يعرفوا هويته. وفي النهاية، وبعد عام طويل وملاحقة شاركت فيها عدة وكالات استخبارات، واستخدام أحدث التكنولوجيا وقوى نخبة إسرائيلية وبمساعدة أمريكية، قُتل السنوار في معركة مع جنود نظاميين واجهوه ولم يعرفوا مَن كانوا يقاتلون.

وبحسب التقارير الإسرائيلية، فلم تحدث عملية اغتيال، ولم تكن هناك عملية قائمة على معلومات أمنية دقيقة عن وجود زعيم حماس المراوغ في المنطقة. ولم يعرف الجنود أن السنوار قُتل إلا بعد إلقائهم نظرة فاحصة على وجهه، وعثورهم على وثائق هوية معه، واكتشفوا أنه السنوار المطلوب الأول لإسرائيل.

وقال بورغر إن الجيش الإسرائيلي سحق معظم غزة وهو يبحث عن السنوار، حيث قتل أكثر من 42,000 فلسطيني وهجّر أكثر من مليوني نسمة من بيوتهم وخلق كارثة إنسانية. ولم يُرَ السنوار في العلن إلا بعد أيام من الهجمات التي نفذتها حماس ضد إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقابل السنوار الأسرى الإسرائيليين وتحدث إليهم بلغة عبرية طليقة تعلمها وهو في السجن الذي قضى فيه أكثر من عقدين، وأكد لهم بأنهم آمنون وسيتم تبادلهم بالأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

ويشير بورغر إلى مشاهدة أخرى وردت في صور فيديو التقطتها كاميرا أمنية داخل نفق في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وقال بورغر إن عملية ملاحقة السنوار استخدمت مزيجا من التكنولوجيا المتقدمة والقوة الغاشمة، حيث استخدم مَن لاحقوه كل شيء ولم يبالوا بالدمار وقتل أعداد كبيرة من المدنيين. وكانت الفرق التي تلاحقه هي قوات أمنية متخصصة بالمهام الخاصة في الجيش الإسرائيلي، ومن وحدات المهندسين وخبراء الرقابة وتحت مظلة “وكالة الاستخبارات الإسرائيلية” أو الشاباك. وكانت هذه المجموعة تبحث على المستوى المؤسساتي والشخصي عن فرصة للتعويض عن الإخفاقات الأمنية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ورغم دوافعهم هذه إلا أنهم واجهوا عاما من الإحباط.

ونقلت الصحيفة عن مايكل ميليشتين، مدير الشؤون الفلسطينية السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) قوله: “لو أخبرتني عندما بدأت الحرب أنه سيظل على قيد الحياة بعد عام فسأجد هذا مثيرا للدهشة” و”لكن تذكر أن السنوار قد خطط لهذا الهجوم منذ عقد من الزمان، وفوجئ الجيش الإسرائيلي بحجم الأنفاق تحت غزة وطولها والتقنية العالية لها”.

واعتقد المسؤولون العسكريون الإسرائيليون أن السنوار سيكون محاطا بالأسرى كدروع بشرية، مع أن البعض قلل من إمكانية حدوث هذا، لأنه سيبطئه ومرافقيه. ورغم المخاطر على حياتهم، لم يتورع الجيش الإسرائيلي عن استخدام قنابل زنة الواحدة منها  2,000 رطل في البحث عنه، وفي النهاية كان السنوار برفقة رجلين.

ويعلق بورغر أن الملاحقين لزعيم حماس لم تنقصهم الخبرات، فالقتل المستهدف هو التكتيك الذي استخدمته إسرائيل منذ إنشائها. ومنذ الحرب العالمية الثانية، اغتالت إسرائيل أشخاصا أكثر من أي دولة في الغرب. وأشار الكاتب إلى أن القسم الخاص في فيلق الهندسة بالجيش الإسرائيلي واسمه “يهالوم” لديه خبرة في حرب الأنفاق أكثر من أي جيش في الغرب، كما يستطيع الحصول على أحدث الأجهزة الاستخباراتية من الولايات المتحدة، بما فيها الرادارات الخارقة للأرض. وتعتبر وحدة الإشارات الإستخبارات السرية 8200 رائدة في الحروب الإلكترونية، وقادرة على اختراق والتنصت على اتصالات حماس، وهو ما تفعله منذ عقود.

وفقد جهاز “الشاباك” العديد من “عملائه” في غزة بعد انسحاب إسرائيل من القطاع في عام 2005، لكنه عمل جاهدا على إعادة بناء شبكة عملاء بعد الغزو البري في تشرين الأول/ أكتوبر، حيث قام بتجنيد عدد منهم أثناء موجات النزوح داخل غزة.

وعلى الرغم من هذه القدرات الهائلة، إلا أن إسرائيل اقتربت من القبض على السنوار مرة واحدة في نهاية كانون الثاني/ يناير في مسقط رأسه بخان يونس. وزعمت إسرائيل أنه غادر المكان على عجل وخلف وراءه وثائق ومليون شيكل، مع أن حماس قالت إن السنوار ترك المكان قبل عدة أيام من وصول القوات الإسرائيلية إلى الملجأ.

وكان الملاحقون للسنوار يفترضون أنه لم يعد يستخدم الأجهزة الإلكترونية، ويعرف القدرات التكنولوجية لدى عدوه، فهو لم يتعلم العبرية فقط، بل عادات وثقافة العدو. ويعلق ميليشتين: “في الحقيقة يفهم الغرائز الأساسية والمشاعر العميقة للمجتمع الإسرائيلي”، مضيفا: “أنا متأكد من أي خطوة كان يعملها تقوم على فهمه لإسرائيل”.

وتوقع ميليشتين أن يظل السنوار في غزة "فهذا جزء من حمضه النووي والقتال حتى الموت. ويفضل الموت في مخبئه". وفي حالة السنوار حصل على ما تمنى، وكانت وفاته محتومة بسبب إصراره على القتال حتى الموت وتصميم عدوه على ملاحقته. وإذا فشلت الملاحقة المزودة بالتكنولوجيا في العثور عليه، فقد فضلت إسرائيل تدمير كل غزة حتى يُقتل في النهاية.

والسؤال إن كان رحيله سيوقف الحرب. ويرى مدير الموساد السابق رام بن باراك، أن رحيل السنوار يعني ظهور شخص آخر محله، و”هذه حرب أيديولوجية وليست حول السنوار”. ويقول ميليشتين: “بعد 50 عاما من الاغتيالات، أدركنا أن هذا هو جزء رئيسي من اللعبة. وفي بعض الأحيان، يكون من الضروري اغتيال زعيم بارز. ولكن عندما تبدأ في الاعتقاد بأن ذلك سيغير قواعد اللعبة وأن منظمة أيديولوجية سوف تنهار لأنك قتلت أحد قادتها، فهذا خطأ فادح”. و”لا تستطيع العيش في فتنازيا، فالحرب لن تنتهي”.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة