تَمَخَّضَتْ جلسة "المحكمة العليا " في رام الله الأربعاء الماضي عن قرارها الذي توقعه كل مُطِّلعٍ عن كثب على حقيقة المواقف التي تبلورت عند حركة فتح وسلطتها، فَتَمَّ تأجيل الموعد الذي قررته حكومة رامي الحمد الله في الثامن من تشرين أول المقبل، هذا التأجيل المؤقت نجم عنه أن أعلنت " لجنة الانتخابات المركزية " وقف جميع إجراءاتها المتعلقة بالانتخابات المحلية بشكل فوري!
هذا التأجيل " المؤقت " لحين البت في الدعوى " المُدَّعاة " من قِبَلِ محامٍ مغمور تُبرهن على حقيقة مفادها أن أولي الأمر وهم التيار العباسي في حركة فتح وسلطته في مقاطعة رام الله المحتلة " ضد " قرار حكومتهم وتحت حُججٍ فاضحة " لاستنباط الأحكام بالاستماع إلى البينات والوقائع! "
لقد اندلق حبر أزرق وفير يبدو مُحَيِّراً عند من أعلنوا الانتخابات بالأمس ثم أجّلوها قبل أن يجفّ هذا الحبر ولكِنهُ كان واضحاً لدى كُلّ ذي بصيرةٍ أن من انقلب على الانتخابات التشريعية ويختطف الضفة رهينةً ويتعاون مع الاحتلال دون خجلٍ أو وجلٍ، بل ويُعلن تقديسه واستمراره في ذلك ويتساوق مع السياسات الإقليمية العربية للنظم الاستبدادية الانقلابية على ثورات شعوبها والمُطَبِّعة والمتواطئة مع دولة الاحتلال، هؤلاء لن يكونوا بأي حال مع الديقراطية أو مع تداول " السلطة " سلمياً أو الاحتكام لنتائج صناديق الاقتراع!
وهكذا فإنه بات معلوماً مع هذا التأجيل أن الانتخابات المحلية في الثامن من تشرين أول القادم أصبحت خلفنا رغم أن هذا الزمان لم يَحِنْ بعد!
إن خطورة هذا التأجيل المفتوح، ستَفرضُ بالضرورة ارتدادات على العملية الديمقراطية برمتها وستشكل استمراراً للسياسة المنهجية المنظمة لحركة وسلطة فتح، وسيغيب معه أي أُفق لعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية التي انقضى مداها الدستوري المفترض وسَتُعَمِّقُ شرخ الانقسام على مداه؟!
إن ذلك يُبَيّنُ أيضاً أن من مارسوا هذا النكوص الانتخابي يمسكون فعلاً بتلابيبِ ما يُسمى " بمحكمة العدل العليا " ونقابة المحامين وأنه تأجيل سياسي بامتياز ناجم عن معرفة ومعلومات أكيدة بانفضاض الشعبِ بِقَضِّهِ وقضيضهِ عن تجار البضاعة الفاسدة لاتفاق عار أوسلو " للحل السياسي " العبثي الذي أضاع الأرض بالاستيطان وقتل الإنسان ودنس المقدسات ويعمل بتسارع على تهويد أقدس وأطهر وطن.
فإذا كان هذا هو حال الانتخابات المحلية وما هو متوقع للتشريعية والرئاسية، فيكف سيكون مستقبل تلك الانتخابات فيما يَخُصُّ إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ومجلسها الوطني ودوائرها على أُسس تمثيلية ديمقراطية لإنجاز وحدة الشعب ومؤسساته وتوحيد نسيجه الاجتماعي وقياداته شرعياً في الداخل والخارج!!
إن خطورة هذا التأجيل المُمْتد ستفرضُ – إن أُعيد طَرحهُ مرة أخرى – وهذا مُستبعدٌ، سيناريو إعادة مُجريات العملية الانتخابية إلى المُربع الأول، بإعلان جديد لحكومة بدأت تفقد شرعيتها بغياب التوافق الذي يَسترُ عورتها، وإعادة تشكيل القوائم تحت وطأة المزيد من التنكيل والمجازر بحق المرشحين والقوائم في الضفة الفلسطينية المحتلة.
إن هذا التمرين الانتخابي الانتهازي وغير الشرعي سيعطي تيار حركة فتح وسلطتها العباسية التي أدمنت التفرد تاريخياً المزيد من الوقت للتزوير والترهيب واستثمار سياسة الباب الدوار مع الاحتلال ليس فقط في قمع واعتقال المرشحين من كل نشطاء الطيف السياسي الفلسطيني بل وقتل البعض منهم وأمثلة ذلك أضحت معلومة للجميع!
ألم تمارس حركة فتح التآمر بالتزوير على المستويين الداخلي والخاص بانتخابات أقاليمها وعضوية مؤتمراتها وعلى المستوى المحلي في الاتحادات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني.
وها هي حكومة الحمد الله تتآمر على نفسها بالتفافها على قرارها الذي حددت فيه موعد الانتخابات فدفعت النيابة العامة لإعلان ذلك وأحجمت عن عقد اجتماعها فغابت عن المشهد يوم الأربعاء الماضي، فتركت المسرح لمن لا ولاية له وهو " محكمة العدل العليا " لإعلان التأجيل.
إن عقد الانتخابات المحلية، وكل درجات الانتخابات على تعددها وفي مواعيدها الدستورية، إنما هي حق أصيل للشعب الفلسطيني، بل من أهمها ويقع في مقدمتها لتجديد شرعية مؤسساته التمثيلية وعلى كل المستويات وخلع أولئك الذي يثبتون يومياً فسادهم وانحرافهم في إدارة الشأن العام وفي المفاوضات الكارثية التي تستمر فصولاً ولعقود مُتصلة بدءاً من مدريد ومروراً بنكبة أوسلو وليس انتهاءً باستجداء الرئيس عباس لنتنياهو للعودة للحلقة الجهنمية للمفاوضات في آخر وأحدث مواقفه في خطابه الهابط منذ أيام أمام دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحديث الإفك الذي عبر فيه عن سعيه لتحقيق المصالحة وإجراء الانتخابات.
لقد أضحت وعود عباس محل تَنَدُّر وسخرية، وهل يمكن لأحد أن يُصدّقه بعد الأمس، أو أن يثق بتعاون "واحة الديمقراطية" لسلطات الاحتلال " لاحترام " انتخابات ديمقراطية نزيهة وبتكافؤ للفرص لاختيار نزيه وحر لممثلي الشعب؟!!
ألا تشير الوقائع في الضفة اليوم وعلى نحو ناصع وصافع أن سلطة فتح كانت تُعوّل على تقدير واهم بأن حركة حماس ستعلن رفض المشاركة في هذه الانتخابات المحلية " المؤجلة " للأسف!
ألم تكن تُقدّر حركة فتح بأن عدم مشاركة حركة حماس سيضمن بأن تخلو الساحة لها لإجراء انتخابات "عائلية" توفر لها وبالتزوير فَرْض شرعية تمثيلية مُدَّعاة والخلاص " وإلى الأبد " – كما يتمنّون - من الشرعية الحقيقية والصادقة التي منحها الشعب لمقاومته في الانتخابات التشريعية المغدورة يوم 25 كانون ثاني عام 2006 ميلادية التي تم الانقلاب عليها!
لقد أثبت درع المقاومة وحاميها " حركة المقاومة الإسلامية – حماس " مصداقيتها حين وَقَّعَت كل اتفاقات المصالحة في الأعوام 2005- 2006-2007، 2011، 2012 و2014، التي حالت فتح دون تنفيذها، وتسليم الحكومة لرئاسة عباس، وقبول ما يُسمى بحكومة التوافق، والاستعداد للانخراط في انتخابات كل شروطها غير مواتيه فيما تمارسه سلطة وأجهزة الأمن العباسية ضدها علناً وبالتعاون مع الاحتلال جهاراً نهاراً.
حماس تعلم أن الشعب كله معها ويلتف حولها ويرى ما تقدمه من تضحيات في ميادين الصمود والمواجهة الأُسطورية.
وحماس تثبت أيضاً، أنها مع الديمقراطية والشراكة الحقيقية مع الكل الوطني وتؤكد أن المسؤوليات جِسام وأن الميدان بحاجة لتحقيق التلاحم وتوحيد الجبهة الداخلية شرطاً حقيقياً وواقعياً للانتصار على العدو في معركة مفتوحة تؤكد كل المؤشرات المُعاشَة وتاريخ الشعوب المُنتصرة والمُستقلة أن هزيمة الاحتلال مُمكنة بل وقريبة رغم أنف كل ما ينشره المتعاونون والمُثبِّطون!