يوم حزين موشح بالسواد، ليس فقط بسبب توقيع المغرب لاتفاقية خذلان الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ولا بسبب التنكر لتاريخ مجيد للشعب المغربي في الدفاع عن فلسطين وقضيتها، إنما الحزن والسواد لأجل مشهد يدمي القلب عندما يقف د. سعد الدين العثماني «رئيس الحكومة المغربية وابن المشروع الإسلامي النهضوي، أمين عام حزب العدالة والتنمية»؛ إلى جانب المجرم مئير بن شبات في مشهد يشبه الكوميديا السوداء.
الإرهابي مئير بن شبات «رئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني» محسوب على التيار الديني القومي المتطرف، والذي يؤمن بعقيدة أن العرب لم يخلقوا على هيئة البشر، إلا ليصلحوا لخدمة اليهود، وهو نفسه من شغل منصب مسؤول المنطقة الجنوبية في الشاباك أثناء العدوان على قطاع غزة عام 2014، أي أنّه مسؤول مسؤولية مباشرة عن قتل آلاف الفلسطينيين الأبرياء وهدم آلاف البيوت على رؤوس ساكنيها.
نعم المرونة والديناميكية مطلوبة لتحقيق التغيير والتمكين وتجاوز كل سلبيات الماضي وخاصة في مشروع نهضوي عظيم كالمشروع الإسلامي، خاصة في المغرب.
صحيح أن المعادلات اليوم، سواءاً الوطنية أو الإقليمية أو الدولية معقدة ومتشابكة، والبقاء ضمن المساحة المتاحة للمساهمة الفعالة في صناعة القرار وتوجيه الدفة يحتاج مهارات استثنائية وإبداع غير مسبوق، لكن السؤال هل يجب أن يتم ذلك على حساب المبادئ؟ وكيف يوازن الإسلاميون بين الوطني والقومي؟ بين التكتيكي والاستراتيجي؟
هذا النقاش إذا تعلق بكثير من قضايا المنطقة، قد يأخذ وقتا طويلا من الأخذ والرد، وقد لا نخلص في النهاية إلى نتائج نهائية محسومة ومقبولة من الجميع، ونقبل بذلك ونتعايش معه، إلا في حالة فلسطين وقضيتها والموقف من العدو الصهيوني واحتلاله.
فلسطين يا دكتور سعد هي مبدأ وعقيدة؛ وليست قضية سياسية اجتهادية؟ مهما علا شأن "الصحراء الغربية" كثمن لهذه الاتفاقية المخزية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تبرر البراغماتية والانتهازية السياسية؛ لأن الصحراء كانت وستبقى أرضا عربية، والباقي تفاصيل، ولكن التطبيع يعني الإقرار بالاغتصاب وشرعنة الاستعمار، التطبيع يعني تزكية السفّاح وتبييض لصفحته، ومنحه الرخصة للاستمرار في القتل والتشريد. وهنا لست بحاجة لأن أذكرك بمقالك الشهير "التطبيع إبادة حضارية" والذي نشر في مجلة الفرقان عام 1996، حيث اعتبرت أنّ التطبيع أدهى ما تفتقت عنه العقلية الصهيونية، لتمرير أجنداتها وتحقيق تفوقها على الأمّة، فقلت فيه نصاً "يبدو أن الصراع بين الكيان الصهيوني والأمة العربية والإسلامية، يأخذ أشكالا مختلفة ويمر بمسارات معقدة مع مرور الزمن، ويبدو أن الكيان يحاول إجراء قفزة نوعية تكسبه تقدما ساحقا على الطرف العربي والإسلامي، وتمكنه من تحقيق أهدافه المركزية، وفي مقدمتها التفوق الأمني والعسكري والاقتصادي الساحق في المنطقة، تمهيدا لإسرائيل الكبرى الحلم المعروف للصهيونية". لا أدري هل مازلت تؤمن بهذه المقولة، وتظهر غير ما تبطن، وهذا ما سيستفيد منه مئير بن شبات، كعادة الصهاينة مع خصومهم حتى تحين اللحظة المناسبة للتخلص منهم، أم أنك تعتبر نفسك في حينه كنت مازلت غرّاً وغير ناضج فكرياً، ولَم تعركك الحياة العملية لتتعرف على تعقيدات السياسة ومتطلبات الحكم وضرورات البقاء في السلطة.
يا دكتور سعد مع من تريد صنع السلام وتحقيق الأهداف الوطنية؟ مع مئير بن شبات المغربي، الذي فضل دولة صنعها الاستعمار في قلب المنطقة على حساب شعب عربي شقيق، على بلده الأصلي المغرب، لأسباب دينية أيديولوجية، فتركها ورحل ليعمل منذ نعمومه أظفاره في كل الأجهزة الأمنية والعسكرية الصهيونية، ليس ضد الفلسطينيين فحسب، بل ضد كل الدول العربية وشعوبها، بما فيها المغرب. أم تريد صنع سلام مع جاريد كوشنير وديفيد فريدمان، اللذان تجاوزا حتى أعتى الصهاينة في تطرفهم ودعمهم الإرهاب والفاشية الصهيونية، ألم تصلك أخبار دعمهم للاستيطان بالمال وامتلاكهم لبيوت في المستوطنات عَلى أراضي إخوانك الفلسطينيين؟
يا دكتور سعد فلسطين عقيدة، فلسطين هي البوصلة، فلسطين هي المعيار، ليس لأننا فلسطينيون، ونعشق تراب هذه الأرض المباركة ونتعبد لله بحبها، كما فعل رسولنا الكريم (ص) مع مكة المكرمة حينما أُخرج منها، لا وإنما لأن هذا هو القول الفصل في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه (ص)، فلسطين هي وعد الآخرة. فلسطين، ومن يختاره الله لحمل أمانتها، هم من سيكتبون الفصل الأخير في هذه الملحمة، ليس في المنطقة وحسب ولكن في العالم أسره. نحن يا دكتور لسنا عدميين أو حالمين، ولكننا قادرين على التمييز بين الغث والسمين، بين الوهم والحقيقة. الرسول الكريم، صلى الله عليه وآله وسلم، الذي قبل بتغييرات شكلية في صلح الحديبية، هو نفسه الذي رفض كل عروض مكة مقابل التراجع عن مبادئه أو المساومة على عقيدته، حتى لو سودوه ملكاً عليهم أو جمعوا له كل كنوز الأرض.
لم نكن نتمنى أو نتخيل أن تقف يا دكتور سعد هذا الموقف المهين، ونحن الذين قرأنا لك وأحببناك عن بعد، ونتطلع للاستدراك في أسرع وقت ممكن، فما عند الله خير وأبقى، وقبل أن تتهاوى هذه "الدولة" السفاح، فالأمر أسرع مما يتوقع الكثيرون، وعندها ولات حين مندم.