تقرير أ. عادل ياسين محرر الشؤون العبرية في وكالة شهاب
وكأن التاريخ يعيد نفسه، فمن يقرأ مجريات الأحداث الحالية سواء في الحلبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية ويقارنها بالوثائق التي سمح ما يسمى "أرشيف الدولة" لدى الاحتلال بنشرها بعد 48 عاما من حرب أكتوبر أو ما يعرف إسرائيليا بـ "حرب الغفران"؛ يدرك حقيقة أن بقاء هذا الكيان مرهون أولا بالمساعدة الأمريكية وثانيا بمدى قدرة خصومه على استغلال نقاط ضعفه وإيلامه. وفي المقابل إدارة المعركة أمامها يحتاج إلى حكمة والاستعداد لدفع الثمن.
هذه الحقيقة يمكن أن نلمسها جيداً من خلال تفاصيل محاضر اجتماعات حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" والكابينت في الأيام الأولى من حرب الغفران والتي كشفت عن بطلان فعالية مبادئ العقيدة الأمنية بثلاثة أضلاعها؛ فما بين الفشل في تحقيق مبدأ الردع وإقدام مصر وسوريا على مباغتتها وما سبقه من فشل في توفير الإنذار وما تلاه من العجز عن تحقيق الحسم والقبول بوقف إطلاق النار وتركيز الجهود للتوصل إلى اتفاق سلام مع مصر.
محاضر الاجتماعات تتحدث عن حالة الذعر والتوتر التي سيطرت على الحكومة الإسرائيلية وما رافقها من خلافات وتراشق للاتهامات بين جهاز الموساد والاستخبارات وبين وزراء الحكومة ؛ لكن الأهم هو اعتراف جولدا مئير بأن "العالم لا يحب اليهود خصوصا إذا كانوا ضعفاء وسيلقي بهم إلى الكلاب".
اعتراف جولدا جاء خلال لقائها مع وزير المالية بنحاس سافير الذي تولي مهمة تجنيد مساعدة مالية وعسكرية للحفاظ على بقاء الكيان "الإسرائيلي". حيث عبرت عن قلقها من إمكانية الحصول على مساعدة من دول العالم وهو ما دفعها لإرسال برقية عاجلة لوزير الخارجية الامريكية هنري كسنجر (نفتالي) والمطالبة بالإسراع في إرسال دبابات وطائرات لـ"إنقاذ إسرائيل"، وهو ما تحقق في نهاية الأمر حينما أرسلت الولايات المتحدة ما يسمى بالقطار الجوي بل أن الطيارين الأمريكيين كانوا يهبطون في مطارات "إسرائيل" لتغيير شعارات الطائرات ثم ينطلقون سريعا لتنفيذ مهمات هجومية ودفاعية.
محضر جلسة الكابينت 12 أكتوبر
في السادسة وعشر دقائق تلقت "جولدا" اتصالا هاتفيا من العميد ليئور الذي أخبرها بأن الأوضاع تزداد سوءا واضطراره لإخلاء سكان بلدات الجولان. وبعد ساعات بدأ الوزراء والضباط يتوافدون إلى مكتبها لاطلاعها على التطورات الميدانية والأوضاع الصعبة التي يمر بها الجيش على كلا الجبهتين، وقد طلبت من القيادة العسكرية العمل على توجيه ضربات مؤلمة لكنهم اشتكوا من قلة الإمكانيات حيث ـطلعها موشيه ديان على الخسائر التي لحقت بسلاح الجو بعد فقدان 56 طائرة وتعطل 40 أخرى، كما نقل تحذير قائد السلاح الجو حينها بني بيليد أنه سيفقد السيطرة إذا استمر هذا الحال لثلاثة أيام.
جولدا تحدثت عن خصائص المجتمع "الإسرائيلي" وعدم قبوله لتحمل الخسائر البشرية، مشيرة إلى أن قتل الجنود يسبب حالة من التوتر والغضب في الشارع "الإسرائيلي"، وهو ما دفعها لاتخاذ قرارات لتقليص الخسائر البشرية من خلال التركيز على الجبهة السورية وعبور القناة.
موشيه ديان اطلع رئيس الحكومة حينها جولدا مئير على أن "النقص لا يقتصر على المعدات والأسلحة فقط بل إن هناك نقص في عدد الطيارين"، كما دعاها لدراسة إمكانية تجنيد يهود العالم لإرسال مئات الطيارين لإنقاذ الكيان "الإسرائيلي".
اقتباسات اليوم الثاني من الحرب كشفت عن حالة القلق في أوساط قيادة الجيش التي اجتمعت في مبنى قيادة الجيش (البور) حيث اعترف رئيس هيئة الأركان حينها دافيد إليعزر بأن "إسرائيل تمر بمرحلة صعبة"، أما موشيه ديان فقد نقل عن محرري الصحف الذين وصفوا الأحداث بالهزة الأرضية.
محاضر النقاشات تكشف عن مطالبة وزير الخارجية الأمريكي هنري كسنجر من القيادة "الإسرائيلية" بالعمل على تحقيق النصر، لأن الهزيمة سيكون لها تداعيات سلبية، وهو ما انسجم مع موقف جولدا مئير التي قالت بالحرف الواحد: "إن لم ننتصر فسنضيع".
وتمر اليوم الأربعاء 6 أكتوبر 2021، الذكرى الثامنة والأربعين على حرب أكتوبر التي انتصرت فيها الجيوش العربية على الاحتلال "الإسرائيلي" وتمكنت لاحقا من تحرير شبه جزيرة سيناء وجزء من هضبة الجولان السورية، بعد احتلالهما عام 1967.