إعلام المقاومة يُفشل الاحتلال ويُحدث تحولات في الرأي العام الدولي

إعلام المقاومة يُفشل الاحتلال ويُحدث تحولات في الرأي العام الدولي

شهاب - خاص 
تتزامن حرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" في قطاع غزة مع حرب نفسية تستهدف الفلسطينيين هناك، وحملة إعلامية تهدف لكسب تأييد الرأي العام العالمي. تسعى هذه الحملة المنهجية إلى تهيئة الرأي العام لتنفيذ الإبادة في غزة، وكسب التعاطف مع الإسرائيليين من خلال تصويرهم كضحايا، مع تحميل الفلسطينيين المسؤولية الجماعية عن أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

في المقابل، لم يبقَ الفلسطينيون ودعاة السلام وحقوق الشعوب في العالم مكتوفي الأيدي. بل رافقوا مقاومة الفلسطينيين للعدوان الإسرائيلي بحملة إعلامية دفاعية تبرز حقهم في أرضهم وتوثق الفظائع الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، شنت المقاومة حربًا نفسية على "الجيش" الإسرائيلي.

الإعلام العسكري وأدواته

والإعلام العسكري هو الإعلام الذي يتعلق بالشؤون العسكرية والدفاعية، ويهدف إلى نقل المعلومات والأخبار المتعلقة بالمجاهدين في أرض المعركة، والمواجهات العسكرية، والسياسات الدفاعية للدولة، ويعتبر من الفروع المتخصصة للإعلام الشامل.

ويلعب الإعلام العسكري دوراً مهماً في زمن الحرب والسلم، ففي زمن الحرب يساهم في تحقيق الأهداف العسكرية والسياسية للدولة، ويؤثر في الرأي العام الداخلي والخارجي، ويشارك في شن الحرب النفسية ضد العدو، ويحمي الجبهة الداخلية من الاختراقات والشائعات والتأثيرات السلبية، ويعزز الروح المعنوية للجنود وأفراد الأمة، وينقل الواقع العسكري بمصداقية وشفافية.

وفي زمن السلم يساعد في تعزيز الوعي العسكري والدفاعي للأمة، وينشر ثقافة الدفاع عن الدين والعرض والأرض، والتضحية والبذل والعطاء، ويعمل على تطوير المحتوى الإعلامي بما يتلاءم مع التطور التكنولوجي والمواقع الإلكترونية والإعلام الرقمي.

ويواجه الإعلام العديد من التحديات والمخاطر في أداء مهامه، فهو يتعرض للرقابة والحظر والتضليل والتشويه من قبل العدو أو الجهات المعادية، ويحتاج إلى مصادر موثوقة ومعدات متطورة ومهارات عالية ومعايير أخلاقية ومهنية.

كما أن الإعلام العسكري يسهم في تحقيق النصر والأمن والاستقرار والتنمية، ويعكس صورة القوة والكرامة والحضارة للدولة، وينمي الولاء والانتماء، ويعبر عن الحق والعدل والسلام.

أداء المقاومة الإعلامي

ويرى خبراء ومختصون إعلاميون أن المقاومة الفلسطينية أدارت المشهد الإعلامي بشكل احترافي ومُنسق بما سجل مكسباً إضافياً ونوعياً ضمن الحرب الإعلامية في نقل رواية المقاومة.

ويضيف الخبراء أن الاحتلال ركّز بشكل كبير على الصور والمشاهد التي نشرتها المقاومة، طيلة أيام المعركة، فكان لأداء إعلام المقاومة دور كبير وبارز في إجبار حكومة نتنياهو على نشر الحقائق والمعلومات كاملة لما فيها من توثيق لاقتحام وأسر وقتل للجنود في بداية المعركة، أو تلك التي نشرتها خلال أيام المعركة من توثيق للرشقات الصاروخية التي كانت تدكُ بها مستوطنات غلاف غزة أو المدن الكبرى، بالإضافة لنشر مشاهد قوية من التحام مقاتلي المقاومة مع قوات الاحتلال خلال المعركة البرية وخوضهم اشتباكات عنيفة وضارية.

و شكّل الإعلام العسكري للقسام، وفقا للخبراء عامل حاسم منذ بدء المعركة وعمل على رفع معنويات الجبهة الداخلية الفلسطينية، في المقابل ساهم بشكل كبير في إرباك الجبهة الداخلية الإسرائيلية وشن حرب نفسية ضده، وكان هذا نابعاً من القدرة الكاملة للقسام على الإدارة والتوجيه والسيطرة على المشهد الإعلامي في مواجهة الرواية الإسرائيلية المرتبكة والمشوهة.

وشدد الخبراء على أن الأبطال لم يكونوا المقاتلين فقط بل هناك أبطال في الإعلام الفلسطيني قدموا تضحيات كبيرة لإيصال الصورة الحقيقية للعالم حول هذه الحرب فتجرعوا سمًا في سبيل معركة الوعي التي تصدوا لها.

وأشار إلى عشرات الانتهاكات ضد الصحفيين منهم ما يزيد عن (147 شهيدًا) وجرحى كثر، و50  أسيرا، وتدمير مقرات 65 وسيلة إعلامية، في حين نزح في غزة مئات الإعلاميين وعائلاتهم وشرد البعض.

ورأى أنه ليس هناك سبب وحيد لذلك الانتصار الإعلامي بل أسباب مجتمعة أدت إلى نجاح تلك التجربة الإعلامية الفريدة، فتعددت أسباب ذلك النجاح الأسطوري لإعلام فلسطين.

وفي ذات السياق، كشفت دراسة بحثية لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، أن إسرائيل خسرت معركة الحرب الإعلامية في معركة طوفان الأقصى، وأن الأجيال الشابة وقادة المستقبل بالعالم الغربي أكثر تعاطفاً مع الموقف الفلسطيني.

جاء ذلك في ورقة علمية من إعداد الدكتور وليد عبد الحي بعنوان “تحولات الرأي العام الدولي وطوفان الأقصى”، حيث تبحث الدراسة في تأثير التحوّل في الميدان الإعلامي على الرأي العام الشعبي في العالم.

وترصد مدى التحوّل في موقف الرأي العام الدولي بعد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب القسام التابعة لحركة حماس في 2023/10/7، وما تبعها من عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة.

وأشار الباحث إلى أن وسائل الإعلام المختلفة القديمة والمعاصرة تشكِّل الأداة الأكثر تأثيراً في توجهات الرأي العام، إلا أن ثورة وسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها المتعددة جعلت العالم ينتقل من مرحلة الاحتكار إلى مرحلة المشاركة العامة.

وأبرزت الدراسة أنه لم يعد هناك قدرة على الاحتكار وتكييف ردات فعل المتلقي طبقاً لمضمون ما ينشره أو يبثه المحتكر.

ويرى الباحث أن إسرائيل قد تنبهت إلى خطورة تلك التحولات، وأدركت أن انتهاء الاحتكار الإعلامي أخذ يزعزع الصورة التي رسمتها لنفسها في الذهن الدولي، وقد أقرَّ بذلك العديد من المسؤولين والكتّاب الإسرائيليين.

وأوضح أنه عند مراجعة التحولات في الرأي العام الدولي لصالح الفلسطينيين يتبين سر القلق الإسرائيلي، حيث يشير الاتجاه الأكبر في الصحافة الغربية وغير الغربية إلى أن إسرائيل خسرت معركة الحرب الإعلامية في معركة طوفان الأقصى.

بل إن أغلب تقارير المنظمات الدولية أو ما تنقله وسائل الإعلام المختلفة، يضيف الباحث، بدأت تأخذ الروايات الإسرائيلية بقدر كبير من التشكك، خصوصاً موضوعات المستشفيات وتبرير قتل المدنيين من الأطفال والنساء.

واعتبر أن أهم التداعيات لهذه النتائج تتمثل في الصورة “الإرهابية” التي تقدمها إسرائيل للعرب أصبحت أقل قابلية للتصديق، مع الارتفاع المتواصل في عدد الضحايا المدنيين من الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.

وأفاد بأن ذلك يعني أن إسرائيل ستواجه في كل مرة تحاول تقديم نفسها بشكل إيجابي أو تقارن الطرف الفلسطيني بجهات متطرفة بالتشكك في رواياتها، في ظلّ الصورة الحالية للسلوك الإسرائيلي في غزة والتي أصبحت مرجعية في ذهن المتلقي.

وأشار معدّ الدراسة إلى أن السياسات الإسرائيلية عززت من وجهة النظر الغربية، على الرغم من محدوديتها حتى الآن، والتي ترى أن “إسرائيل” أصبحت عبئاً أكثر منها عوناً.

وشدد على أنه عند عودة أي مسؤول إسرائيلي للحديث عن الهولوكوست أو معاداة السامية سيتم تذكيره بما فعلته حكومته في غزة، وهو ما سيجعل إسرائيل أقل ميلاً لتكرار الحديث عن الهولوكوست لأنها مارست الممارسة نفسها، أي أن فكرة الهولوكوست لم تعد مجدية بالقدر الذي كانت عليه سابقاً، وهو ما بدأ الاعلام الغربي يشير له.

ودلَّت المؤشرات في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على أن الأجيال الشابة وقادة المستقبل، هم أكثر تعاطفاً مع الموقف الفلسطيني، تقول الدراسة.

واعتبرت أن هذا الأمر تعزَّز بشكل واضح في فترة ما بعد الطوفان، وهو ما يعني أن احتمالات التغيُّر التدريجي في اتجاهات لا تتناسب مع السياسة الإسرائيلية أمر سيتزايد.

في المحصلة، ومهما كانت نتائج هذه الجولة من القتال عسكرياً، لا شكّ في أن الاحتلال الإسرائيلي تعرّض لضربة شديدة لم يشهد مثلها منذ تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لا إعلامياً ولا سياسياً ولا عسكرياً، إذ شهدت المناطق التي يسيطر عليها والمستوطنات التي أقامها على الأراضي الفلسطينية اشتباكات فعلية لأول مرة، فيما كانت "إسرائيل" في السابق تقاتل دائماً في الأراضي العربية، ويكون الضحايا عرباً.

هذه الضربات التي تعرض لها الاحتلال ستبقى في ذهن الإسرائيليين لفترة طويلة، وستؤثر في ثقة المستوطنين بـ"الجيش" وقدرته بعدما كانت ثقتهم بمؤسسات الحكومة والأحزاب والإعلام وسواها قد اهتزت سابقاً. ولا شكّ في أن ذكريات 7 أكتوبر ستبقى طويلاً في ذهن الإسرائيليين الذين سيمتنعون عن السكن في المستوطنات والمناطق القريبة من غزة، وقد يغادرون بشكل نهائي.

المصدر : شهاب

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة