خاص / شهاب
ارتفع رصيد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية كما وكيفا بعد عملية طوفان الأقصى حيث سجلت تكتيكات المقاومة تطورا نوعيا وبارزا كان عنوانه التوسع في استخدام العبوات الناسفة التي باتت تمثل هاجس قلق وخوف لجيش الاحتلال ، لتصبح العبوات الناسفة أحد أهم الأسلحة الإستراتيجية التي تمتلكها المقاومة في مواجهة الجيش الإسرائيلي فى الضفة.
برزت قوة العبوات الناسفة المصنعة محليا لأول مرة في الضفة الغربية، وتحديدا في مخيم جنين قبل معركة طوفان الأقصى بأشهر حيث فجر المقاومون لأول مرة آلية من نوع نمر تابعة لقوات الاحتلال، في اقتحام إسرائيلي استمر لمدة 11 ساعة، وشهد اشتباكات اعترفت إسرائيل بشدتها، واستعانت بطائرة أباتشي لنقل الجرحى من داخل المخيم نظرا لشدة الاشتباك.
أما نهاية حزيران وبداية تموز الجاري، في مخيم جنين، ومخيم نور شمس في طولكرم، حلَّقت مدرّعتان عسكريتان إسرائيليتان من نوع «بانثر» و«النمر» في الهواء ولو لمسافة قصيرة، ليس بفعل تعديل جديدٍ على مهامها، لكن لأنّ عبوتين ناسفتين انفجرتا تحتهما خلال مشاركتها في اقتحام المخيمين.
جنين الأعلى استخداما
قُتل جنديان، وأصيب العشرات في الانفجارين، وأُعطبت المدرعتان، وتحسسّ الجيش الفزع من هذه العبوات الناسفة التي تجعل الآليات تحلّق فأرسل الاحتلال جرافاته التي قلّبت الأرض أعمق من السابق بحثًا عن عبوات مشابهةٍ، وفتّش جنوده المشاتل الزراعيّة واعتقلوا أصحابها بحثًا عن مادة جديدة تستخدم في حشوة هذه العبوات الناسفة.
وبحسب مركز معلومات فلسطين “معطي” تم تفجير 528 عبوة ناسفة بجنود وآليات الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحاماتهم المتكررة لمدن ومخيمات وبلدات الضفة الغربية، منذ بداية العام الجاري وحتى 24 أيلول/ سبتمبر 2024.
ووصف المركز أرض الضفة الغربية بأنها مفخخة، خاصة بعد مباغتة المقاومة الفلسطينية بعبواتها الناسفة جنود الاحتلال، وإيقاعهم بين قتيل وجريح.
وأشار “معطي” إلى أن شمال الضفة الغربية نال النصيب الأكبر في تفجير العبوات الناسفة بقوات الاحتلال، فقد تمكن المقاومون في جنين من تفجير 213 عبوة ، كما تمكن المقاومون من تفجير 95 عبوة ناسفة في نابلس، و82 عبوة ناسفة في طولكرم، و52 عبوة ناسفة في طوباس
وفى تحليل موسع للصحفيين ثائر حسين، عمّار الشقيري نشر فى تموزالماضى فى موقع حبر: فأن العبوات الناسفة تعيد ذكريات العمليات الفدائية والنوعية التي نفذتها المقاومة وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأوقعت عشرات القتلى والجرحى الإسرائيليين، بعدما رسم المهندس الأول للقسام يحيى عياش بداية صناعة المتفجرات والأحزمة الناسفة التي شكلت فارقا كبيرا في تاريخ مقاومة الاحتلال.
بحسب الرواية الشعبية، وعندما بدأت الانتفاضة الفلسطينية الثانية سنة 2000، وداخل مخيّم جنين، استدل المقاومين على مواد محلية استخدمها الناس لتفجير الأرض لغايات حفر آبار المياه. وصنعوا منها حشوات العبوات الناسفة والأكواع. استخدمت هذه العبوات في تفخيخ مداخل المخيم وطرقاته في معركة جنين 2002، وحين تقدّمت الآليات أعطبت «أم العبد» -الاسم الشعبي للعبوة- بعض الآليات.
كانت تلك عبوات بفعالية قليلة، غابت عن شوارع الضفة الغربية مع خفوت الانتفاضة سنة 2005، حين فكّك أمن الاحتلال والسلطة البِنى التحتية لفصائل المقاومة بالضفة بالمطاردة والاغتيال والاعتقال والإبعاد خارج فلسطين. بعد أكثر من عشر سنين، صارت الأخبار تنتشر عن انفجار عبوات ناسفة والعثور على بعض خلايا تصنيعها، مثل خليّة كتائب القسّام في نابلس عام 2016، أو انفجار أربع عبوات شماليْ القدس عام 2016، لكن الحدث الأكبر بينها كان كشف أمن السلطة عشرات العبوات في طولكرم في مكانين؛ حقل من 13 عبوة ناسفة تزن الواحدة بين 30 إلى 50 كيلوغرامًا، مجهزة بأنظمة تفجير عن بعد وضعت على طريق مرور آليات جيش الاحتلال، و40 عبوة أخرى مخبأةٌ في كهف قريب، واكتشاف عبوات أخرى في إحدى قرى رام الله عام 2020، فيما يبدو أنها كانت مرحلة سنوات تحضير وتطوير.
وحدات هندسبة ومهام
بحسب أرقام مركز معلومات فلسطين (معطى) فأن المؤشرات تقود إلى ارتفاع في الاعتماد على العبوة الناسفة في صدّ اقتحامات الجيش للضفة مع حلول العام 2021. إذ كان معدّل تنفيذ عمليات تفجير عبوات بشكل عام يتراوح بين 30 و55 عملية في السنة، وفي العام 2022 تضاعف الرقم خمس مرات، حيث نفذت 227 عملية تفجير عبوات، وكانت محافظات جنين ونابلس وطولكرم، تتصدر المشهد
وكشف مقاتلو الكتيبة لاحقًا في تقرير صحفي عن وجود وحدة هندسة في الكتيبة تشرف على تصنيع هذه العبوات التي تزن قرابة 40 كيلوغرامًا، تصنّعها عدة مجموعات من أفراد الكتيبة لكل مجموعة مَهمة، مثل مجموعة تصنيع هيكل العبوة، ومجموعة طبخ الحشوة وتعبئتها، فيما يبدو أنه نقلة أخرى في تصنيع العبوات.
اضطر جيش الاحتلال بسبب هذا التطور الجديد في تأثير العبوات الناسفة إلى تغيير خططه في جانبين: في العتاد، حيث بدأ يعتمد في الاقتحامات أكثر على الآليات المدرعة، مثل ناقلات «بانثر» و«النمر» وبعض المجنزرات، بدل الآليات قليلة التصفيح مثل الجيبات صغيرة الحجم التي تحمل ما بين ثلاثة وخمسة جنود، وهذا ما صار بعض أهالي الضفة يلاحظونه، خاصة في طولكرم.
رفع جيش الاحتلال من مستوى أمن هذه المستوطنات من خلال تزويدها بأجهزة اتصال لاسلكية جديدة من نوع «إيزي توك» وزيادة أعداد مجندي الاحتياط في المستوطنات كمصدر إنذار مبكر، وأعلن عن مشروع تجهيز فرقة دافيد التي تضم جنودًا ومجندات بلغوا سن الإعفاء، ومتطوعين، وعناصر من الحريديم لأول مرة، للوصول إلى تجنيد 40 ألف مقاتل.
صار الجيش يعتمد على الضربات الجوية، مثلما حدث أكثر من مرة في جنين وطولكرم، ويجري النقاش في ضرورة استخدام أجهزة تشويش (Jammer) وهي تقنية تساعد في إعطاب العبوات أو تشغيلها عكسيًا، بالإضافة إلى سعيه لتصفيح آلياته أكثر مثل ناقلات «النمر»، وتوسيع استخدام الحفارات الثقيلة، والجرافات المُدرعة.
مسؤول وحدة العبوات الناسفة في كتيبة طولكرم قالفى مقابلة سابقة للجزيرة نت :" أن قدرة المقاومة أصبحت أكثر تطورا في "تصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة، بحيث أصبحت أكثر قدرة على الانفجار وإحداث الأضرار المباشرة".
الضفة اجتازت الصدمة
واعتبر عادل شديد المحلل السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي أن مقاومة الضفة وعملياتها آخذة بالازدياد والنوعية أيضا، موضحا أن ذلك يعكس مجموعة من المتغيرات أهمها أن الضفة اجتازت الصدمة التي حدثت عند 7 أكتوبر/تشرين الأول، والتي شكّلت صدمة لإسرائيل التي سعت لتبني سياسة ترهيب في بداية الحرب
. لذا لا يكاد يمر اقتحام إسرائيلي إلا وتستخدم المقاومة العبوات الناسفة التي باتت تشكل عبئا عملياتيا خلال الاقتحامات للضفة الغربية.
ووفقا للخبراء فإن الاحتلال يستعين بجرافات مصفحة لتجريف الشوارع قبل اقتحام الآليات الأخرى، وذلك حتى تنفجر هذه العبوات بالجرافات، ولمواجهة ذلك بات المقاومون يستخدمون طرقا أكثر تطورا لزرع العبوات مما يسبب صعوبة باكتشافها وتفجيرها قبل وصول الآليات التي تحمل الجنود، وهو ما حدث في تفجير مخيم جنين إذ زرع المقاومون العبوة الناسفة على عمق 10 أمتار بحيث لا تصل الجرافة إلى هذا العمق.
ويرى الخبراء أن تطور العبوات سيأخذ منحنيات تصاعدية كبيرة كنوع من تطور المقاومة لمواجهة سياسات الاحتلال العدوانية، ومن الناحية الأمنية تمثل خطورة أمنية على الاحتلال ومستوطنيه، ويمكن استخدامها في العمليات التفجيرية، وإفقاد المستوطنين أمنهم الشخصي.
وبحسب المحللين العسكريين للاختلال فأن مواجهة خطر هذه العبوات بأنه ذو أولوية عالية، بسبب السهولة التي يمكن بها تجميع المتفجرات محليًا من مواد مزدوجة الاستخدام، مثل الأسمدة الزراعية وبيروكسيد الهيدروجين والأسيتون والأحماض والأحماض الصناعية
ليس التطور في تصنيع العبوات محليًا ما يفزع الاسرائيليين وحسب، إنما يجري الحديث في الصحافة كذلك -نقلًا عن مسؤولين في الجيش- هناك عمليات تهريب متفجرات إلى الضفة، ما جعل العبوات أكثر قوة بمستويات عدة مقارنة بتلك التي يتم إنتاجها في الضفة.