ذكرى "محاولة اغتيال خالد مشعل".. هكذا فشلت "إسرائيل" أمام حماس

خالد مشعل

يصادف اليوم السبت، ذكرى محاولة "الموساد" الإسرائيلي اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشعل، في العاصمة الأردنية عمّان بمادة سامة، وباءت محاولة  بالفشل بعد اعتقال المنفذين ومبادلتهم بالمصل.

وكانت صحيفة "يديعوت احرونوت" قد نشرت قبل عدة سنوات، تفاصيل حول عملية محاولة اغتيال مشعل، والتي استندت في بعض تفاصيلها الى مقابلة مع الدكتور الاردني سامي ربابا الذي أشرف على علاج مشعل الذي يشغل حاليًا منصب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" بالخارج.

البداية كانت يوم 30 تموز عام 1997 عندما فجر "انتحاريان" نفسهما بالقرب من سوق "محنايودا" في القدس، والنتيجة كانت سقوط 16 قتيلا "إسرائيليا" وإصابة 187 آخرين بجراح مختلفة. 

وكانت حركة حماس تقف خلف هذه العملية، ونتيجة لهذه العملية قرر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو تنفيذ عملية اغتيال لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس آنذاك خالد مشعل، وطلب من رئيس جهاز "الموساد" داني يتوم اعداد خطة لتنفيذ عملية الاغتيال.

وقد بدأ "الموساد" بالعمل فورا على إعداد خطة الاغتيال، إذ كان خالد مشعل يسكن في العاصمة الاردنية عمان وتوجه الى مكتب الحركة الكائن في شارع وصفي التل وسط عمان، وبسبب توقيع اتفاقية سلام قبل 3 سنوات مع الاردن وحفاظا على العلاقات، طلب من "الموساد" اعداد عملية اغتيال هادئة ودون احداث ضجة ولا تقود لاسرائيل، وحتى لو كشفت خيوط بسيطة يمكن لاسرائيل التنصل من العملية دون وجود أدلة مباشرة.

توجه 6 من عناصر وحدة التنفيذ "كيدون" والتي هي جزء من وحدة تنفيذ عمليات الاغتيال "كيساريا" الى عمان، وخلال وقت قصير استطاعوا جمع المعلومات عن خالد مشعل والمكتب الذي يمارس فيه عمله، والبيت الذي يسكنه في عمان، وكذلك حركته اليومية وتنقلاته خاصة ايصال أبنائه يوميا الى المدرسة.

cc5a780146f306430cca5f0b43b7dde2.jpg
 

بعد هذه المعلومات والمعطيات جرى بحث العديد من الخيارات لتنفيذ عملية الاغتيال من ضمنها حادث سير، ولكن في نهاية الأمر استقر الجهاز على استخدام مادة السم في عملية الاغتيال، حيث جرى بحث طبيعة المادة في الوحدة التكنولوجية التابعة لجهاز الموساد، والتي شارك فيها خبراء البيولوجيا في معهد "نيتسيونا"، وجرى اختيار مادة "Levofentanyl" والتي تعتبر مادة سامة خطيرة ومتطورة، وكانت الخطة تتمثل بوضع وجبة كبيرة في جسد خالد مشعل دون ان يشعر، كونه سيعاني من الاعياء طوال اليوم ومن ثم يبدأ يدخل الغيبوبة وصولا الى الوفاة.

بعد الاتفاق والتدريب على كيفية زرع السم في جسد خالد مشعل عادت عناصر الموساد الى الاردن، حيث اسندت مهمة الاغتيال وزرع السم الى عنصرين من الوحدة المختارة "كيدون"، ودخلا الاردن بجوازي سفر كنديين مزورين، ورافقهم في هذه العملية عناصر أخرى للدعم والاسناد وكذلك طبيبة من جهاز الموساد، والتي كانت تحمل معهما مادة السم والترياق المضاد حال وصل السم الى احد عناصر الموساد أثناء التنفيذ، وكل هذه العناصر أخذت مواقعها المتفق عليها مسبقا والتي كانت في الفنادق والشقق التي تم استئجارها لهذه الغاية.

وقد تعطلت العملية اكثر من مرة نتيجة لحدوث خلل في حركة خالد مشعل "أحد الايام لم يحضر الى المكتب، مرة ثانية كان برفقته العديد من الاشخاص"، وبعد مرور 5 أيام تم تحديد يوم 25 أيلول كأخر يوم لتنفيذ العملية، وفعلا حضر مشعل الى المبنى الذي يتواجد فيه مكتبه، حيث كان أفراد الموساد منتشرين في مواقعهم وتم الاتفاق بينهم على اشارة محددة ولم يستخدموا الأجهزة.

ولدى وصول السيارة التي كان يستقلها خالد مشعل ولم يكن فيها غير السائق وابنته، نزل منها مشعل وتوجه نحو مدخل العمارة، هنا تحرك عنصرا الموساد بناء على تعليمات بالاشارة وسارا نحوه من الخلف، ولدى اقترابهم منه نزلت ابنته من السيارة وبدأت تصرخ وتنادي والدها "يابا"، وتبعها السائق الذي رأي شخصين يسيران نحو خالد مشعل بشكل يثير الشبه، فقام هو الاخر بالصراخ على مشعل وبدأ ينادي عليه "خالد". 

عند ذلك حاول خالد مشعل الدوران ليرى لما ينادون عليه، عندها كان عنصرا الموساد قد وصلاه لتنفيذ الخطة بوضع السم من قبل أحدهم مستخدما ابره خفيفة جدا تستخدم للاطفال، على أن يضعها في يده اليمنى عندما يميل عليه العنصر الثاني، وعندما يلتفت خالد مشعل للخلف يجد سائحين أجنبيين ولن يشعر بأن السم دخل جسده، ولكن هذا التدخل من ابنته والسائق غيرت السيناريو في اللحظات القاتلة، وأصاب السم الأذن اليمنى لخالد مشعل وهربا من المكان الى سيارة الهروب التي كانت تنتظرهم.

دخل على الخط محمد أبو سيف أحد عناصر حماس في هذا التوقيت والذي كان يحضر بريد الى المكتب وشاهد عنصري الموساد يهربان في السيارة، وقام بملاحقتهما بعد تسجيل رقم السيارة، واستمر في الملاحقة الى ان نزل عنصرا الموساد منها وهاجم أحدهم وهو يصرخ بأنهم اعتدوا على خالد مشعل، وصل في هذه الاثناء سعد الخطاب بشكل صدفي، وقد شاهد أحد عناصر الموساد يحمل حجرا كبيرا ويحاول ضرب أبو سيف، فهاجمه وابعده عن أبو سيف وفهم على الفور بأنهم ليسوا اجانب وانما اشخاص مشبوهين، وتجمع العديد من المارة الذي ارادوا مهاجمتهم بعد ان فهم الجميع بأنهم اعتدوا على خالد مشعل، فسلموا أنفسهم لأبو خطاب وقادهم الى مركز الشرطة الاردنية، وطلب من الشرطة اتخاذ الحذر الشديد كونهم من الموساد الذي قد يصل لتخليصهم.

وبعيدا عن صحة رواية ابو خطاب كما تقول الصحيفة، فالنتيجة كانت فشل لعملية الاغتيال التي كشفت بعد اعتقال المنفذين، وتم الاتصال مع رئيس الموساد وابلاغه بما جرى والذي بدوره وضع نتنياهو في صورة الوضع كونه كان في طريقه لمقر الموساد للاحتفال برأس السنة العبرية.

مباشرة تم نقل مشعل الى المستشفى الاسلامي والذي كان يعاني من الاعياء وضيق في التنفس، ولدى سماع الملك الاردني الحسين أعطى تعليماته لنقله الى المستشفى الملكي والذي يعالج فيه مع افراد عائلته، وتم الاتصال على طبيب الملك سامي ربابا ليتولى العلاج، وبالفعل بدأ الطبيب الاردني معاينه مشعل والذي بدأ يدخل في الغيبوبة، حيث قام الطبيب في كل مرة يدخل في غيبوبة يوقظه ويحافظ عليه صاحيا حتى يبقى يتنفس، وكانت تأتيه اتصالات من الملك لمعرفه الوضع الصحي لخالد مشعل.

ويؤكد الطبيب الاردني أنه مع الطاقم الطبي الاردني بعد المعاينة أدركوا أنه تلقى مادة سامة خاصة انهم فهموا ان الحديث يدور عن عملية اغتيال. 

وذكر الطبيب الاردني أنه لم يستخدم مادة الترياق التي قدمتها "اسرائيل" لانقاذ حياة خالد مشعل، موضحا أنه استخدم مادة "Naloxone" وحقنها لخالد مشعل، حيث تم اعطائه هذه المادة لاكثر من مرة والتي ساهمت بعدم دخوله الغيبوبة، ومن ثم خروج السم من جسده دون حقنه بالترياق الذي رفض الطبيب الاردني استخدامه.

وقالت الصحيفة إنه بعد الفشل الذي حصل طلب من عناصر الموساد المشاركين في العملية التوجه الى السفارة "الاسرائيلية" في عمان على الفور، وقد فكرت الطبيبة التي كانت تتواجد في أحد فنادق عمان برفقه عنصر أخر من الموساد، بإتلاف الترياق خاصة أن احدا من عناصر الموساد لم يصب، وخوفا من ضبط هذه المادة معها واعتقالها من قبل السلطات الاردنية، فقامت بالاتصال مع قائدها في الموساد الاسرائيلي وذكرت له بأنها تريد اتلاف الترياق، ولكنه أجابها بأن تبقيه معها وتنزل الى ساحة الفندق "اللوبي"، وستجد ضابط من الاستخبارات العسكرية الاردنية في انتظارها وتذهب معه للمستشفى، كي تقوم بحقن خالد مشعل بالترياق، وعندما سمعت ما ذكره لها قائدها لم تصدق الكلام وطلبت منه اعادته مرة ثانية للتأكد مما سمعته، وقد نفذت ما طلب منها ونزلت ووجدت الضابط في انتظارها، وتوجهت معه الى المستشفى وقدمت الترياق للطاقم الطبي الذي رفض ان تقوم هي بحقن خالد مشعل.

سقط الموساد أمام حماس

وفي هذا الصدد، كتب القيادي في حركة "حماس" بالخارج رأفت مرة، مقالا بذكرى فشل محاولة اغتيال مشعل العام الماضي، بعنوان (ذكرى محاولة اغتيال مشعل.. كيف سقط الموساد أمام حماس؟).

وقال مرة في مقاله : "لم تكن محاولة اغتيال الأخ المجاهد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في 25 أيلول / سبتمبر عام 1997 محاولة الاغتيال الأولى لقيادي فلسطيني. فالتاريخ الوطني الفلسطيني شهد عمليات اغتيال ومحاولات اغتيال كثيرة. منها القادة الثلاثة في بيروت ابو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر عام 1973. ومنها عملية اغتيال القائد أبو جهاد الوزير في تونس عام 1988 ومنها محاولات اغتيال أبو عمار وغيره من القادة".

وأوضح أن محاولة اغتيال مشعل حملت الكثير من المعاني والدلالات.

وتحدث مرة عن المناخ السياسي والأمني السائد في تلك الفترة، قائلا : "فقد مثل دخول حركة حماس إلى ساحة الصراع المباشر والمواجهة مع الاحتلال عام 1987 عنصرا مهما في العمل الوطني الفلسطيني. فقد تحولت حماس خلال سنوات قليلة إلى عامل مؤثر وقوة أساسية ذات مستوى شعبي وحضور سياسي وعمل ميداني عبرت عنه الانتفاضة والعمليات المتواصلة".

وأضاف أنه "بعد مؤتمر مدريد عام 1991 واتفاق أوسلو عام 1993 صارت حماس قوة أكثر تأثيراً بفعل رفضها لنتائج هذه الاتفاقيات. ومنذ عام 1993 حتى تاريخ محاولة الاغتيال، واجهت حماس سياسياً وشعبياً وإعلامياً اتفاق أوسلو لأنها رأت فيه إلغاء للحقوق الفلسطينية ولنتائج الانتفاضة".

وتابع : "ثم بعد جريمة اغتيال المهندس يحيى عياش عام 1996 تصاعدت الهجمات العسكرية التي نفذتها كتائب القسام، واستهدفت عمق الاحتلال بعمليات تفجير قوية حطمت صورته، وأحدثت خللاً أمنياً كبيراً وخسائر اقتصادية، وهشمت عملية التسوية".

وأردف قائلا إن "الخسائر الكبيرة التي مني بها الاحتلال بعد التفجيرات في القدس والخضيرة والعفولة وغيرها، دفعت عددا من دول العالم برعاية امريكية لعقد مؤتمر في شرم الشيخ في شهر آذار / مارس 1996 الذي أعلن الحرب على ما سمي (الإرهاب). والإدارة الأمريكية قررت في تلك الفترة محاصرة حماس وملاحقة قيادتها كعملية اعتقال الدكتور موسى ابو مرزوق عام 1995 من قبل الأمريكيين".

وذكر أن "نتنياهو الذي جاء في تلك الفترة بعد انتخابات أسقطت شمعون بيريز بدأ يتنصل من التسوية ويتعهد بالحل الأمني. وخطط الاحتلال للكثير من الاجراءات لإجهاض المقاومة: قمع في الداخل الفلسطيني وزيادة عمليات الاغتيال والاعتقال والهدم والطرد. وفي الخارج قرر الاحتلال تصفية الشخص المتهم بالتحريض و قيادة العمليات التي نفذت ضد الاحتلال وفي العمق الصهيوني".

وبحسب مرة، أهداف كثيرة دُرست.. لكن نتنياهو اختار خالد مشعل، في مغامرة سياسية وأمنية ضارباً عرض الحائط بالاتفاقيات الموقعة حديثا مع الأردن عام 1994 وبالعلاقة مع الملك حسين، ومتجاوزاً نصائح عدد من مسؤولي الأجهزة الأمنية.

وأكد ان نقل نتنياهو معركة المواجهة مع حماس إلى خارج فلسطين.. تحول مهم، لأن الهدف يستحق.. في نظر الاحتلال.

ووفقا للقيادي مرة، كانت اللائحة المستهدفة تتضمن عدة أسماء، لكن نتنياهو أصر على خالد مشعل للأسباب الثلاثة التالية كما كشف لاحقا: مشعل مسؤول عن التجنيد والتمويل وتحريك الخلايا من الخارج.

وقال إن "قناعة نتنياهو تقاطعت عند خالد مشعل.. عليه أن يدفع الثمن. الهدف كبير.. الصيد المتوقع ثمين جدا.. المكسب السياسي لنتنياهو وحكومة الاحتلال كان يغري نتنياهو بالمغامرة.. وبتجاوز خطوط دقيقة محظورة سياسيا وأمنيا .. الرد على الضربات والعمليات النوعية الخارقة التي نفذت عامي 96 و 97 كانت غير معتادة بنوعيتها ونتائجها. الرد في نظر الإسرائيليين كان يتركز على مستوى قيادي رفيع يقنع الإسرائيليين بالرد وقد يكبح جماح حماس ويرفع قيمة نتنياهو داخليا".

وأضاف : "إرادة الله حمت خالد مشعل. يقظة السائق والمرافق أفشلت الجريمة""، متابعا : "سقط الموساد الإسرائيلي في شوارع العاصمة الأردنية. مرافق مشعل ألقى القبض على جزء من الخلية الإرهابية التي سممت مشعل.. بعدما لاحقهم في الشوارع حيث انضم له الناس".

وأكمل : "مرافق مشعل أمسك عناصر الموساد في شوارع عمان كالدجاجات الخائفة. والملك الأردني حسين بن عبد الله اعتبر أن نتنياهو تجاوز كل الخطوط الحمر ولم يحترم اتفاق السلام: عليه أن يدفع الثمن".

ومضى القيادي مرة يقول : "كانت اياماً صعبة جدا على نتنياهو والمجرم داني ياتوم رئيس الموساد حينها. لكن إصرار الملك حسين وبالتنسيق مع حماس أجبر الاحتلال على الإفراج عن الشيخ الإمام احمد ياسين".

وتابع : "تحسنت صحة مشعل وخرج الشيخ احمد ياسين من سجون الاحتلال واكتسبت حماس شعبية سياسية وتعرضت التسوية لضربة شديدة"، مستطردا : "يومها سقط الموساد امام حركة حماس".

وأكد مرة أن "محاولة الاغتيال كانت صعبة لكن حماس تخطتها وظلت متمسكة بنهجها المقاوم. ولم تتراجع حماس وتقدمت في مشروعها السياسي والوطني وتعزز مشروع المقاومة وتمكنت حماس بفعل تضحيات رجالها وقادتها وحولها الاجماع الشعبي والفصائلي من الانتصار في عدة حروب وهي اليوم قائدة العمل الوطني".

وختم مرة بالقول : "دفعت حركة حماس اثمانا كبيرة على طريق الحرية : الامام الشيخ احمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي واحمد الجعبري وجمال منصور وجمال سليم ومحيي الدين الشريف وغيرهم غيرهم من الرجال والابطال".

المصدر : شهاب

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة