خاص / شهاب
يواصل الاحتلال الإسرائيلي عمليته العسكرية وارتكاب جرائمه ضد سكان شمال قطاع غزة، والتي تستمر لأكثر من 19 يومًا بعد فرض حصار على المنطقة ومطالبة سكانها بالإخلاء الفوري نحو الجنوب.
عودة العمليات العسكرية البرية في شمال غزة بررها الاحتلال باستعادة حركة حماس لقدراتها وتنظيم صفوفها من جديد، بالإضافة إلى تجنيد عناصر جديدة لمواصلة التصدي له، في ظل استمرار الحرب التي تستهدف الإبادة منذ أكثر من عام.
علق خبراء في الشأن الإسرائيلي على ما يحدث في شمال غزة، مشيرين إلى أنها محاولة متسارعة لتطبيق "الخطة المعدلة للجنرالات"، التي يتجنب الاحتلال الإعلان عنها، بينما يستمر الجيش الإسرائيلي في نفي وجودها بشكل رسمي.
وخطة الجنرالات هي خطة عسكرية اقترحها الجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي "غيورا آيلاند" على بنيامين نتنياهو، وتبناها عدد كبير من جنرالات الجيش لذلك سميت بخطة الجنرالات.
وُضعت الخطة في سبتمبر/أيلول 2024، بهدف تهجير سكان شمال قطاع غزة قسرا، وذلك بفرض حصار كامل على المنطقة، بما في ذلك منع دخول المساعدات الإنسانية، لتجويع من تبقى من المدنيين، وكذلك المقاومين ووضعهم أمام خيارين إما الموت أو الاستسلام.
ثم لاحقا يتم تحويل شمال القطاع إلى "منطقة عسكرية مغلقة" بهدف القضاء بشكل كامل على أي وجود لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في المنطقة.
تفترض خطة الجنرالات أن الحصار أكثر الحلول فاعلية لإنهاء الحرب وتقليل عدد القتلى من جنود الاحتلال الإسرائيلي.
سياسة قديمة
الباحث آن عرفان يقول إنه بعد حرب 1967 أصبحت الضفة الغربية وقطاع غزة، تُعرفان باسم الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومع ذلك، حجب توحيد التسمية حقيقة اتباع إسرائيل سياسات مختلفة جداً في كل منطقة. باختصار، رأت إسرائيل أن استحواذها على الضفة الغربية هو أكثر أهمية من استحواذها على غزة؛ فالأولى كانت موطناً لعدد من المواقع الدينية المقدسة، ويمكن أن توفّر عمقاً استراتيجياً كبيراً.
ويضيف عرفان في دراسة علمية بعنوان (سياسة إسرائيل تجاه اللاجئين في قطاع غزة ساحة للنزوح المستمر) أنه علاوة على ذلك، كان هناك رأي قديم في الدوائر الحكومية الإسرائيلية فحواه أن غزة أشدّ ميلاً نحو القتال والتطرف من الضفة الغربية، وهي وجهة نظر أنتجتها الكثافة السكانية في القطاع، وارتفاع نسبة اللاجئين هناك؛ فقد شكّل اللاجئون، بشكل غير متناسب، نسبة كبيرة من الفدائيين، الذين جاء كثيرون منهم من المخيمات التي تضم أفقر طبقات المجتمع.
وركزت سياسة إسرائيل في غزة على إزالة ما تعتبره مراكز التطرف السياسي، أي مخيمات اللاجئين. ففي حين اقتصرت عملياتها في الضفة الغربية على الإغلاق وحظر التجول، كانت عملياتها في غزة تهدف إلى تفكيك مخيمات اللاجئين تماماً.
وتابع:" وقد سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لتحقيق هذا الهدف من خلال مجموعة من السياسات. فمن أجل "تخفيف" تركيز اللاجئين، الذي كان يُنظر إليه كسبب مباشر للتطرف، ضمت إسرائيل بعض المخيمات إلى المدن، وسعت لدمج اللاجئين في الأحياء المحلية".
وأشار عرفان :" وفي أكثر المخيمات ازدحاماً، هدم الجيش الإسرائيلي المساكن والمآوي، ووسع الطرق لتسهيل مرور الدوريات. وقدّرت الأمم المتحدة أن أكثر من 15.000 لاجئ تضرّروا في صيف سنة 1971 وحده بسبب عمليات الهدم التي شملت تدمير أكثر من 2500 منزل في مخيمات جباليا ورفح والشاطئ.
وأردف :" الأهم من ذلك، والأكثر إثارة للجدل، أن الحكومة الإسرائيلية استخدمت أيضاً الهجرة القسرية استراتيجيا لتعزيز سيطرتها على غزة في السنوات الأولى من الاحتلال".
ففي الفترة التي تلت حرب 1967، عززت إسرائيل محاولاتها تشتيت المخيمات عن طريق إعادة توطين بعض لاجئي غزة قسراً في الضفة الغربية، أو الأردن، أو سيناء، أو أبعد من ذلك.
وقد نفّذت في البداية عمليات ترحيل جماعي، لكن سرعان ما واجهتها المتاعب جرّاء هذه الممارسة. ففي 14 كانون الأول/ ديسمبر1967، رفضت السلطات الأردنية السماح لمجموعة تضم عدة مئات من الفلسطينيين بالدخول عبر الضفة الغربية المحتلة، على أساس أنهم نُقلوا رغماً عنهم.
وفي نهاية المطاف، حظر الأردن عمليات الترحيل عبر نهر الأردن تماماً، وهو ما يعني أنه بعد سنة 1970 تم إرسال المطرودين من غزة إلى الأردن عبر وادي عربة.
وفي أواخر الستينيات، نفّذت قوات الاحتلال الإسرائيلية استراتيجيا متعددة الجوانب لتشجيع الناس على الرحيل.
فقد أنشأت مكاتب للهجرة في مخيمات اللاجئين في غزة، كانت تعرض الأموال على أولئك الذين وافقوا على الانتقال النهائي إلى الخارج، وتأخذ على عاتقها الترتيبات اللوجستية لمغادرتهم.
واقترن هذا الوعد المالي بإجراءات من شأنها خفض مستوى المعيشة في غزة، كوسيلة لدفع الناس إلى المغادرة.
وفي الأشهر الستة الأولى من سنة 1968، هاجر نحو 20.000 شخص من قطاع غزة، 80٪ منهم من لاجئي النكبة، وكانت الحوافز المالية التي قدّمتها إسرائيل عاملاً رئيسياً في رحيلهم.
تكثفت سياسات الترحيل الإسرائيلية في غزة في أوائل السبعينيات، إلى جانب تفكيك مخيمات اللاجئين. ففي ظل السياسات التي انتهجها القائد العسكري أريئيل شارون، تم اقتلاع 38.000 من لاجئي النكبة للمرة الثانية، وأُعيد توطينهم في مكان آخر في سنة 1971؛ أُرسل 12.000 من هؤلاء إلى مخيمات في سيناء، بينما تم توزيع الآخرين على مخيم الدهيشة للاجئين في الضفة الغربية، وبلدات ومدن في أماكن أُخرى من غزة. وادّعت الحكومة الإسرائيلية أن هذا النزوح القسري كان ضرورياً لمكافحة الإرهاب، لكن وزارة الخارجية الإسرائيلية بلّغت السفارة الأميركية في 16 آب/ أغسطس 1971 أن هذه الاجراءات كانت جزءاً من خطة تهدف إلى تخفيف عدد سكان غزة، وبالتالي إلى الحد من ميلهم المتصوَّر إلى النشاط السياسي.
ورغم تلك الإجراءات لم تستطع إسرائيل القضاء على المقاومة واندلعت الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى حتى اندحار الاحتلال من قطاع غزة عام 2005.
اعتراف بالفشل
إليؤور ليفي المراسل الشؤون الفلسطينية في قناة كان العبرية إن حوالي نصف سكان شمال قطاع غزة وتحديدا جباليا ما زالوا متشبثين في منازلهم، ويرفضون الخروج، وإن من خرج منه غادروا نحو أحياء أخرى في شمال قطاع غزة مثل الشيخ رضوان أو إلى المناطق الساحلية في شمال قطاع غزة".
وأضاف ليفي أن العملية العسكرية في شمال قطاع غزة ما زالت تتركز في مركز مخيم جباليا، كونه المنطقة الأصعب.
وتابع:" ما يحصل في شمال قطاع غزة يأتي معاكسًا لما خطط له الجيش الإسرائيلي خلال عمليته العسكرية المستمرة في جباليا".
من جانبه دعا الجنرال غيورا آيلند، صاحب خطة الجنرالات، في مقال في يديعوت أحرونوت، إلى إنهاء الحرب على غزة بصفقة تبادل.
وقال آيلند: "استمرارنا في الحرب على قطاع غزة لن يغيّر الواقع هناك. سيحدث أمران فقط: كل المختطفين سيموتون، وسيقتل مزيد من الجنود. الواقع في غزة لن يتغيّر".
وأردف: "صحيح أنه من الممكن محاولة تحسين شروط الصفقة، خاصة فيما يتعلق بعدد الاسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم مقابل كل رهينة حية، ولكن لا ينبغي للمرء أن يصر على هذا الهراء، خاصة في ما يتعلق بفيلادلفيا".
واستدرك: "بعيداً عن الحاجة الماسة لإنقاذ الرهائن في آخر فرصة لا تزال قائمة، هناك على الأقل أربعة أسباب أخرى تجعل هذه الخطوة صحيحة".