نشأت منظمة التحرير الفلسطينية، نتيجة انتشار حالة من الوعي الوطني والقومي، خاصة بعد صدور وعد بلفور 1917 والنكبة عام 1948، وأدرك الفلسطينيون حجم اللعبة والمؤامرة التي تحاك ضدهم، ومدى إمكانية ضياع القضية الفلسطينية في أروقة ودهاليز السياسات الرسمية العربية والدولية، فنجحوا بعد عدة محاولات هدفت لإنشاء جسم فلسطيني قوي يحمل هم الفلسطينيين وقضيتهم، وتمكنوا من إنشاء منظمة التحرير بهدف تأسيس دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، والتي كان لها دور محوري في مراحل القضية الفلسطينية منذ نشأتها، لكنها خضعت للعديد من المتغيرات التي قلبتها رأساً على عقب.
عقد أول اجتماع لمنظمة التحرير في 28 مايو عام 1964 في القدس وضم نحو 419 عضوا ممثلين عن قطاعات الشعب الفلسطيني، وصدر عن الاجتماع إعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وتم اعتماد ميثاقها الوطني والقانون الأساسي لها.
كان لمنظمة التحرير دوائر ولجان تُعد بمثابة الوزارات في أي دولة وكان منها:
المجلس الوطني الذي يمكن اعتباره البرلمان الفلسطيني، أما المجلس المركزي واللجنة التنفيذية فتعتبر بمثابة السلطة التنفيذية، إضافة إلى لجان الصندوق الوطني، وجيش التحرير.
تبنى ميثاق المنظمة قبل تعديله عام 1993، خيار الكفاح المسلح والعمل الفدائي وبناء القوة، استراتيجية لتحرير فلسطين.
من أبرز إنجازات المنظمة، الصفة الرسمية لها وهي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ويتم التعامل معها وفقا لهذا الأساس، إضافة إلى أنها ساهمت مع عدد من الفصائل المقاومة في انتفاضة 1987 في إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وإلحاق خسائر فادحة في صفوف الاحتلال، كما نجحت في إعطاء دفعة قوية لفئة الشباب وأعادت خيار المقاومة المسلحة كحل لحسم الصراع مع الاحتلال.
أما على صعيد المتغيرات التي عصفت بالمنظمة وأدت إلى إحداث انقلابات جذرية في مبادئها وصلت إلى حد الإضرار بالقضية ومشروع التحرر وانحرافها عن مبادئها.
أولى هذه الكوارث، مؤتمر مدريد عام 1991، اعترفت بموجبه المنظمة بقرار 242 الصادر عن مجلس الأمن والذي يحمل اعترافا بـ (إسرائيل)، أدخل ذلك المنظمة في مفاوضات سرية، استضافتها النرويج، وانتهت بإعلان اتفاقية أوسلو عام 1993، والتي غيرت من استراتيجية الصراع وتم الترتيب من خلالها لوجود السلطة في الضفة وغزة، وتأجيل مناقشة قضايا الحل النهائي، القدس واللاجئين والدولة والمياه والحدود.
في هذا التوقيت انتخب ياسر عرفات رئيسا للسلطة، وعلى أثره غيرت المنظمة كل العبارات الموجودة في ميثاقها الداعية إلى الكفاح المسلح، ودخلت في تنسيق أمني مع الاحتلال، بدأت بموجبه السلطة في ملاحقة النشطاء والفدائيين، والتصدي لكافة أشكال المقاومة حتى وصل الأمر اليوم إلى قمع المقاومة الشعبية، كما فعلت مؤخرا من قمع واعتقال نشطاء المقاومة الشعبية في بيتا وجبل صبيح.
أما المتغير الثاني والذي عصف بالمنظمة وأفقدها قيمتها، هو وفاة عرفات في 11 نوفمبر 2004 وتسلم محمود عباس رئاسة المنظمة، وتم ترشيحه من قبل فتح لرئاسة السلطة، وما زال رئيسها حتى الآن.
عمل رئيس السلطة والمنظمة محمود عباس على إحكام قبضته من خلال تعييناته لأعضائها من خلال تجاوز الميثاق والقانون الأساسي، والتي كان آخرها ترشيح كلّ من روحي فتوح رئيساً للمجلس الوطني، وحسين الشيخ، وعزام الأحمد عضوين في اللجنة التنفيذية، هذه التعيينات المزاجية وما جاء قبلها، لا شرعية لها، وأفقدت المنظمة قيمتها ووزنها، وتداخلت المهام بين المنظمة والسلطة، ما أدى إلى سيطرة حركة فتح عليها، وتحكمها في القرار السياسي، الأمر الذي قوبل برفض شعبي وفصائلي واسع، فيما فشلت كل محاولات الإصلاح التي جرت لإعادة إحياء المنظمة، حتى باتت القيادات الفلسطينية تصفها بالصالون السياسي.
هنا يمكن القول إن المنظمة بحالتها هذه مختطفة ولا تمثل الفلسطينيين، والمجلس الوطني لم يمارس دوره الفعلي ولا صلاحياته الحقيقية منذ 1991.
فتح عباس لم تبذل أي جهد حقيقي لاستيعاب باقي مكونات الشعب الفلسطيني وفصائله بما يتوافق مع أحجامها السياسية والشعبية، وترمي بعرض الحائط كل محاولات إصلاح المنظمة، وتنصلت من اتفاقية القاهرة في مارس2005، ووثيقة الوفاق الوطني في يونيو 2006، واتفاق مكة في فبراير 2007، واتفاق المصالحة في مايو 2011، التي نصت على إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير، إضافة إلى حوارات القاهرة 2021 التي صدر عقبها مرسوم بإجراء انتخابات المجلس الوطني في 31 أغسطس 2021، لكن أياً من هذه الاتفاقيات لم تنفذ.
مطلوب اليوم إعادة تفعيل منظمة التحرير على أسس وطنية في ظل وجود فصائل فلسطينية صغيرة تكاد لا تذكر على حساب فصائل وازنة تتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة، وتتمتع بأغلبية شعبية كشفت حجمها آخر انتخابات ديمقراطية في عام 2006، كذلك يجب إخضاع جميع دوائر المنظمة ومؤسساتها للرقابة، ويمكن أن يبدأ ذلك عبر بوابة إجراء انتخابات شاملة يشارك فيها الفلسطينيون كافة.