الحيوية النضالية التي تجتاح شباب الضفة تؤكد أن الشعب الفلسطيني لم يترك يوما طريق المقاومة، ولكنه كان يبحث عمن يقوده، واليوم استطاع الشباب الثائر أن يجمع حوله شعبنا ويقوده.
المقاومة تعيد خلق نفسها بالشكل الذي يناسب الواقع، إنها بركات هذا الشعب وهذه الأرض، كلما حبك لها الأعداء ووضعوا المتاريس في طريقها تخلقت من جديد واخترعت سبلا جديدة وتكيفت مع ظروف الوقت، ونابلس وجنين تجلي من تجلياتها المعاصرة.
لقد استطاع شباب الجيل الذين شبوا على الانقسام -المفروض على شعبنا- أن يصنعوا موازنات جديدة ركزت على الهدف الاستراتيجي وهو مقاومة تغول الاحتلال، وتجاوزوا الانقسام دون الدخول في جدليات البحث عن أسبابه وانتظار انتهائه، مع علمنا أن الانقسام هو افتعال طرف واحد، وهذا الطرف قلق جدا من هذا الشباب الثائر، الذي يقوض أركان روايته المشوهة والتي فرضها على شعبنا بالحديد والنار.
هذا الشباب استطاع بحسه الوطني أن يلمس ضعف وهشاشة الاحتلال من خلال حرب سيف القدس، وتحسس الخطر الداهم للضفة بفعل سياسات الاستيطان ومحاولات تقسيم الأقصى، ونقشت في وجدانه صور جرار وابو الهيجا والعموري وابو ليلى والحلبي وبفعل عوامل الصهر هذه خرج المعدن النفيس وبرز بريقه عرينا وكتيبة، هذا الفيضان الوطني اجتاح نفوس الشباب وأخذ يجري في شوارع وأزقة المخيمات والقرى والمدن، وتلاشت المخاوف، ولا شك أن هذا الفيضان سيجري في كل الضفة، فالثورة عدوة والجماهير تلحق الركب.
الاحتلال في وضع لا يحسد عليه، لا تكفيه عواصفه الداخلية وتحدياته الكبرى من غزة والخارج والان يجد الخاصرة الرخوة تنزف دما، وتنقح عليه الجروح وتشتت ركائزه، في الوقت الذي تحركه وبطشه صار محكوما بتوازنات ومحاذير دقيقة تقيده.
إن من قواعد الصراع مع الاحتلال طول نفس شعبنا وقصر نفس الاحتلال، الاحتلال يبحث عن الأمن وشعبنا يبحث عن التحرير، ومن أراد الأمن فقد الصبر بسرعة، ومن أراد الحرية بذل الغالي والنفيس ولم يأبه بالزمن ولا الثمن.
إن ما يجري ليس إلا مرحلة من مراحل التحرير التي بدأت بغزة قبل عقد ونيف، ويسيرّ الأمر إله عظيم حكيم على يد شعب بطل مقدام، لا يضره من خذله من أشباه الرجال، وهو في رباط حتى يحين موعد التحرير.