هل تتجنب إيران التدخل المباشر بحرب لبنان؟

خاص /  شهاب
منذ اللحظة الأولى لاندلاع معركة "طوفان الأقصى" ظهرت على السطح تساؤلات في العالم عن دور إيران في قيادة محور المقاومة الذي يخوض معركة كبيرة مع الاحتلال الإسرائيلي، وزادت الأسئلة والضغوط عليها بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة طهران.
وفي سياق الحديث عن الدور الذي تلعبه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تعتبر الداعم الأول لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن، التي تخوض حربًا مع الاحتلال الإسرائيلي عبر عدة جبهات، وبالسؤال الأبرز هل ستخوض الحرب نصرةً لحلفائها أم ستبقى تتجنب التدخل المباشر؟
هذه الأسئلة طرحت بعد تصريحات وتهديدات القادة الإيرانيين بالانتقام والرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، ولماذا تتحلى إيران بالصبر على كل الانتهاكات الإسرائيلية بحقها؟
وبحسب محللون، فإن طهران راهنت طوال الأشهر الماضية على سياسة الغموض وتأجيل الرد كورقة ضغط على نتنياهو للموافقة على وقف إطلاق النار في غزة، الذي كان يمثل بشكل ما مخرجا مناسبا لها من أعباء الرد، لكن رئيس حكومة الاحتلال رفض كل المبادرات، ومضى قدما في جرائمه في غزة ولبنان، وكثف عملياته ضد حزب الله، وهو ما أحرج إيران أكثر وزاد من أعبائها.
ومع زيادة الضربات الإسرائيلية لحزب الله في لبنان، يزيد الغموض حول موقف إيران من تنفيذ "وعيدها" وتهديداتها بالرد على إسرائيل ثأرا لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على أراضيها، أو دعمًا لحزب الله الذي يتعرض لضغوط عسكرية شديدة.
ويشير محللون إلى أن إستراتيجية الصمت الإيراني والغموض حول الرد كعامل تأثير نفسي وعسكري لم يردع "إسرائيل" ولم يخفف اندفاعاتها لمحاولة تقويض حزب الله، ونفذت تفجيرات "البيجر" التي أصيب فيها السفير الإيراني في بيروت، واغتالت قبل ذلك فؤاد شكر، ثم إبراهيم عقيل وقادة آخرين كبارا في قوة الرضوان بحزب الله.

حسابات مختلفة


حسين موسويان الدبلوماسي الإيراني السابق وخبير السياسات النووية وأمن الشرق الأوسط، يرى أنّ الإيرانيين ينظرون في حسابات مختلفة قبل الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران مؤخراً وكذلك توقيت الرد الإيراني.
وأضاف موسويان أنّ حقيقة أنّ إسماعيل هنية كان مسؤولا فلسطينيا لا إيرانيا يجعل إيران تمنح الأولوية لمصلحة الفلسطينيين وأنّ الأهم حاليا هو وقف إطلاق النار.
واستبعد تدخلا إيرانيا مباشرا في حال وقعت حرب شاملة بين حزب الله وإيران وإن كانت إيران ستبذل كل ما في وسعها لدعم حزب الله ولبنان حسب قوله، بل يرى أنّ ما يعرف بمجموعات المقاومة في العراق واليمن والفصائل الفلسطينية ستبذل قصارى جهدها لمساندة حزب الله.
وأشار إلى أنّ الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزيشكيان يريد انضمام بلاده لمجموعة العمل المالي الحكومية FATF والعمل على رفع العقوبات عنها، وهو ما سعت إليه الإدارات السابقة، حسب قوله.

قوتهم الإقليمية


من جانبه، أكد الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش ان إيران الآن تدرك من جانب أن حربا واسعة على "حزب الله" تُشكل تهديدا وجوديا له، ويُمكن أن تنزلق إلى حرب إقليمية تتورط فيها.
ومن جانب آخر، يقول علوش إن لطهران أولويتين رئيسيتين: الأولى تجنب التورط في حرب، والثانية خروج "حزب الله" من الحرب القائمة بأقل الأضرار.
ولا يزال "حزب الله" يُمثل قيمة كبيرة لإيران في المنطقة، ومن غير المتصور أن تكون طهران مُستعدة للتخلي عنه تماما، أو حتى استخدامه كورقة في مفاوضاتها مع الأميركيين والغرب من أجل صفقة نووية، بحسب علوش.
ويعتبر الباحث أن الحزب اللبناني "لا يقل أهمية بالنسبة لهم عن البرنامج النووي، لأنّه جوهرة قوتهم الإقليمية".
الباحث الإسرائيلي المتخصص في الشؤون الإيرانية بمعهد دراسات الأمن القومي راز تسيمت، يرى أن إيران لا تجد أن الوقت مناسب للتدخل المباشر في الحرب الجارية بين جيش الاحتلال وحزب الله في لبنان.
وقال تسيمت، في تحليل نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن التصعيد الحالي بين "إسرائيل" وحزب الله يأتي في وقت غير مناسب لطهران التي لا ترى سببا مقنعا للتدخل المباشر للتصدي لهجمات "إسرائيل"، لأنها تعتقد أن الحزب لا يزال قادرا على الصمود والمواجهة بمفرده.
غير أنه أكد أن القيادة الإيرانية ستتخذ قرارا بالتدخل المباشر في حال رأت أن القدرات الإستراتيجية لحليفها تتعرض للتدمير، على الرغم من قناعتها الحالية بأن "إسرائيل" غير قادرة على هزيمة حزب الله كليا، حتى في ظل تراجع قدراته العسكرية.
وشرح الباحث الإسرائيلي الظروف التي تواجهها طهران في ظل العدوان الإسرائيلي على لبنان، وقال إن المرحلة الجديدة من المواجهة بين "إسرائيل" وحزب الله تأتي لإيران في وقت غير مناسب.
وأضاف أن الحكومة الإيرانية تركز حاليا على هجوم دبلوماسي يقوده الرئيس مسعود بزشكيان لتعزيز ترتيب سياسي محتمل مع الولايات المتحدة بشأن القضية النووية.
وتابع الباحث الإسرائيلي أن آخر ما تريده إيران في خضم الحملة الدبلوماسية الحالية هو الانجرار إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع "إسرائيل"، وأكثر من ذلك مع الولايات المتحدة.
وأشار الباحث الإسرائيلي إلى القيود والاعتبارات التي توجه السياسة الإيرانية التي قال إنها لم تتغير بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة.

إنهاك إسرائيل


وأضاف أنه منذ بداية الحرب في غزة، كانت طهران تسعى للوصول إلى وقف لإطلاق النار يحافظ على قدرات حماس في غزة ويصون القوة العسكرية لحزب الله في لبنان. ومع استمرار الصراع، يبدو أن الإستراتيجية الإيرانية ترتكز على إنهاك إسرائيل عبر حرب متعددة الجبهات دون الحاجة إلى دفع ثمن باهظ من خلال التدخل المباشر.
وقال أيضا إن إيران تدرك أن أي تورط مباشر في القتال سيؤدي إلى نتائج عكسية، حيث إن "إسرائيل" تحاول بالفعل جر إيران إلى مواجهة شاملة عبر استدراجها إلى ساحة المعركة.
وأشار الباحث إلى أن طهران تحرص على عدم الوقوع في الفخ الذي تسعى "إسرائيل" إلى نصبه من خلال تصعيد الوضع في غزة والشمال.
ويضيف الباحث الإسرائيلي أن إيران قد تلجأ إلى الضغط على "إسرائيل" من خلال استخدام القوات المسلحة الذي تدعمها في العراق وسوريا واليمن لتعزيز الجبهات المتعددة ضد "إسرائيل"، وذلك دون الحاجة إلى تدخل عسكري مباشر.
وفي المقابل، يطرح الباحث فرضية أخرى تقول إنه إذا تصاعد الصراع ليصل إلى حرب شاملة تشمل البنية التحتية الوطنية في لبنان، فإنه من المرجح أن يزيد الضغط الدولي والمحلي لفرض وقف إطلاق النار على الجانبين. وفي مثل هذا السيناريو، من المحتمل أن تتجنب إيران التدخل العسكري المباشر قبل الوصول إلى هذا المستوى من التصعيد.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة