لا يبدو أن الدعم الأمريكي لـ "تل أبيب" في عدوانها على غزة يقتصر على الأسلحة والقنابل والمعدات، بل تعدى ذلك إلى قوات أمريكية على الأرض تقاتل بجانب جيش الاحتلال المتوغل في القطاع، ورغم نفي واشنطن ذلك عدة مرات، كشفت صحيفة أمريكية تورط آلاف الأمريكيين في "حرب الإبادة" على غزة، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ومؤخرًا، كشفت القوات الروسية تورط شركة أمريكية تابعة لـ "بلاك ووتر" في الحرب المتواصلة على قطاع غزة.
وأوضحت تقارير روسية، أن القوات الروسية عثرت على صور بهواتف قتلى الناتو في كورسك تثبت محاربتهم في فلسطين المحتلة قبل قدومهم إلى جبهة كورسك.
وقالت مجلة "Military Watch Magazine" إن "Forward Observations Group"، وهي شركة عسكرية أمريكية خاصة، قامت بنقل جزء من قواتها إلى إسرائيل بنهاية عام 2023.
وجاء في مقالة المجلة: "تشارك قوات Forward Observations Group، التي لا يزال وضعها غامضا إلى حد كبير، في العمليات في مسرح العمليات في أوكرانيا منذ أكثر من عامين، وذلك على الرغم من أنه تم نشر بعض أفرادها في إسرائيل لدعم العمليات في قطاع غزة منذ أواخر عام 2023".
مؤخراً نشرت مجلة عسكرية متخصصة، تفاصيل حول مشاركة مرتزقة من شركة عسكرية أمريكية خاصة، في القتال الدائر بغزة، وهو ما يعزز التورط الأمريكي المباشر في حرب الإبادة التي يتعرض لها سكان القطاع.
وإلى جانب الدور الأمريكي المباشر في إسناد "إسرائيل" عسكرياً، يتزايد الحديث عن دور المرتزقة الأمريكان، والذي يأتي في سياق الاستماتة الأمريكية والغربية أيضاً في حماية دولة الاحتلال والحيلولة دون انهيار جيشها.
شركة "FOG"
ومنذ اليوم الأول للهجوم الإسرائيلي البري على قطاع غزة، في 27 أكتوبر، بدأت الأنباء تتوارد حول دور فرقة مرتزقة أمريكيين يشاركون إلى جانب جيش الاحتلال في مواجهة فصائل المقاومة.
وفي تقرير لها نشرته، يوم 24 أغسطس الجاري، أشارت مجلة "ميليتري ووتش" العسكرية، إلى أن مرتزقة يتبعون مجموعة أمريكية شاركوا في القتال إلى جانب الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
المجلة أشارت إلى أن المرتزقة يتبعون شركة "مجموعة المراقبة الأمامية"، والمعروفة اختصاراً باسم "FOG"، وانتقلوا من أوكرانيا للقتال في غزة، أواخر العام 2023.
ومجموعة "FOG" هي شركة عسكرية خاصة أمريكية، أسسها أحد جنود المشاة الأمريكيين المتقاعدين، وتضم مقاتلين سابقين، ومرتزقة مأجورين، شاركوا في عمليات خاصة في عدة بلدان، آخرها أوكرانيا، وفق تقرير المجلة العسكرية.
تحليلات وصور
وكانت تحليلات نشرتها منصتا "إيكاد" و"سند"، أكدت مشاركة مرتزقة يتبعون مجموعة "FOG"، في الحرب الدائرة في غزة خلال الأشهر الأولى.
وأفاد تحليل أعدته منصة "سند" للتحقيق الإخباري التابعة لقناة "الجزيرة"، في نوفمبر الماضي، بأن مرتزقة أمريكيين يقاتلون في غزة، منذ نوفمبر الماضي، مستدلّة بفيديو لمقاتل مرتزق جاء من بروكلين في نيويورك للقتال في القطاع إلى جانب جيش الاحتلال.
كما شارك عديد من المرتزقة الأمريكيين صوراً ومقاطع فيديو لهم وهم في غزة، خلال أشهر الحرب الماضية، في حين أكد تحليل آخر لمنصة "إيكاد" لتدقيق المعلومات نشرته في 28 فبراير الماضي، وجود مرتزقة من "FOG" يقاتلون إلى جانب جيش الاحتلال بغزة، مستدلةً بما تنشره المجموعة على حسابها بمنصة "إنستغرام".
هذه المعلومات والبيانات تعيد إلى الأذهان تصريحات سابقة أدلى بها مستشار البنتاغون الأمريكي السابق دوغلاس ماغريغور، في أكتوبر الماضي، حينما أكد وجود مرتزقة أمريكيين في غزة.
وفي تقرير لها نشرته مطلع نوفمبر 2023، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية قوله إن الوزارة أرسلت قوة خاصة إلى "إسرائيل" لمساعدتها في البحث عن أماكن الرهائن لدى "حماس" في غزة، وهو ما يؤكد وجود قوات نظامية أمريكية تقاتل أيضاً في القطاع.
ويبدو أن اعتماد "إسرائيل" على المرتزقة مسألة جوهرية في حربها على غزة، إذ تشير المعلومات إلى أن هناك الآلاف منهم قدموا من أوروبا وأمريكا وأوكرانيا ودول أخرى منذ بداية العدوان.
وبعيداً عن المرتزقة الأمريكيين والأجانب الذين يقاتلون إلى جانب "إسرائيل"، وأعدادهم بالآلاف، ثمة دور آخر مباشر تقوم به الولايات المتحدة، يتمثل في تقديم الدعم الاستخباري والمعلوماتي للجيش الإسرائيلي منذ اليوم الأول للحرب على غزة، فضلاً عن المساهمة في اعتراض أي هجمات تتعرض لها "إسرائيل".
الاثنين (26 أغسطس)، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن الجانب الأمريكي قدم دعماً كبيراً لـ"إسرائيل" لملاحقة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" يحيى السنوار في غزة، ومن ذلك تزويد جيش الاحتلال برادارات قادرة على اختراق الأرض، وتقنيات عديدة متطورة.
كما جندت واشنطن، بحسب تقرير الصحيفة الأمريكية، وكالات التجسس لاعتراض اتصالات السنوار، بينما أنشأت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي أيه" فرقة عمل خاصة، وأرسل "البنتاغون" قوات عمليات خاصة لتقديم المشورة للجيش الإسرائيلي.
ولا تتوقف الولايات المتحدة عن إمداد "إسرائيل" بالأسلحة الدقيقة والمتنوعة، التي استخدمت بشكل واضح وموثق في المجازر التي ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين في قطاع غزة.
وحتى 26 أغسطس، أعلنت وزارة الجيش الإسرائيلية أنه منذ الـ7 من أكتوبر تسلّمت "إسرائيل" من واشنطن أكثر من 50 ألف طن من المعدات العسكرية عبر 500 رحلة جوية و107 شحنات بحرية.
وفي مارس الماضي، أفادت صحيفة "واشنطن بوست"، أن 10% من جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي القتلى منذ بداية المعارك البرية بقطاع غزة يحملون الجنسية الأمريكية.
وأشارت الصحيفة، إلى مغادرة آلاف الأمريكيين و"الإسرائيليين" الولايات المتحدة للانخراط في القتال ضد الفلسطينيين بُعَيد 7 أكتوبر/تشرين الأول، على الرغم من أن الأمريكيين يشكّلون أقلّ من 2% من سكان "إسرائيل".
ونقلت "واشنطن بوست" عن السفارة الأمريكية في القدس المحتلة قولها إن 23 مواطنًا أمريكيًا على الأقلّ قُتلوا في الأشهر الأخيرة في أثناء خدمتهم في "الجيش والشرطة الإسرائيليين".
ووصف التقرير الأمريكيين القتلى بأن ما كان يجمعهم هو "التزامهم القوي تجاه الدولة اليهودية، بعد أن وجدوا في البلد الذي تبنَّاهم هُوِيَّة تتجاوز إلى حد كبير جواز سفرهم الأمريكي".
وآثار تقرير "واشنطن بوست"، عن مشاركة آلاف الأمريكيين بمن فيهم حاملين للجنسية الإسرائيلية في العدوان على قطاع غزة، تساؤلات وتفاعلًا واسعًا عن حجم التورط الأمريكي في الحرب "الإبادة الجماعية" المتواصلة على قطاع غزة.
زعيم مرتزقة ومهندس إغراق الأنفاق.. مَن إيريك برينس؟ وما علاقته بإسرائيل؟
في 13 ديسمبر/كانون الأول 2023، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، تقريراً تعلن فيه أن إسرائيل بدأت بالفعل إغراق أنفاق المقاومة الفلسطينية في غزة. ونقلت عن مسؤولين أمريكيين مطّلعين على عمليات جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن هذا الإجراء يهدف إلى تدمير البنية التحتية التي تستخدمها المقاومة في عملها.
وقبل ذاك، في الرابع من ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، قالت ذات الصحيفة الأمريكية أن جيش الاحتلال جمَّع نظاماً ضخماً من المضخات من أجل إغراق شبكة أنفاق المقاومة الفلسطينية.
بالمقابل، تتحدث تقارير إعلامية أخرى عن أن الملياردير الأمريكي ومؤسس مرتزقة "بلاك ووتر"، إيريك برينس، هو الذي أقنع القيادة العسكرية الإسرائيلية بمخطط إغراق الأنفاق، بل وورّد لها هذه المضخات التي تستخدم عادة في الأعمال المنجمية. وليست علاقة إسرائيل بالمقاول العسكري الأمريكي وليدة اليوم، بل تمتد لسنوات طويلة من الشراكة المالية والاستخباراتية والعسكرية.
مهندس إغراق الأنفاق
في تقرير نشرته صحيفة تايمز البريطانية، في 5 ديسمبر/كانون الأول عام 2023، قالت إن المقاول العسكري الأمريكي الخاص إيريك برينس قد زار إسرائيل أياماً قليلة بعد هجوم "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتقى هناك عدداً من القيادات الإسرائيلية.
وأضافت الصحيفة البريطانية أن برينس أقنع إسرائيل بشراء المضخات المتطورة التي تستخدم باعتبارها معدات تعدين من أجل إغراق أنفاق حماس التي يبلغ طولها 300 ميل في غزة.
ولقي مقترح برينس ردود فعل إيجابية في إسرائيل، وقال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، إن غمر الأنفاق فكرة جيدة، لأن المقاومة الفلسطينية "تتوفر لها بنية تحت أرضية كبيرة في غزة، وكنا نعلم أنه سيكون لديها هناك كثير من الأنفاق. وجزء من هدف (هذه العملية) هو تدمير هذه البنية التحتية".
وفي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، كانت أول مرة تبلغ فيها القيادة الإسرائيلية نظراءها في الولايات المتحدة بخيار إغراق الأنفاق، حسبما ذكرت وول ستريت جورنال. ونفى مسؤولون أمريكيون وقتها علمهم بمدى تقدّم إسرائيل في تنفيذ هذا الخيار، لكن العملية في مجملها لقيت انتقادات من داخل إدارة بايدن.
وحسب تايمز، حذرت إدارة بايدن من أن تورط برينس كان بمثابة "علم أحمر" إنذاري، وطالبت بمزيد من الدراسة حول التأثير الذي يمكن أن تحدثه الفيضانات على المياه الجوفية ومرافق الصرف الصحي في غزة. ونقلت عن مصدر أمريكي قوله إن "إيريك جمهوري، لذا هناك اختلافات سياسية واضحة".
مَن إيريك برينس؟
يعرف إيريك برينس بأنه رجل أعمال أمريكي يعمل في مجال المقاولات الدفاعية والأمنية. وهو أصغر أبناء رجل الأعمال إدغار برينس، الذي ورث عنه إيريك جزءاً من ثروته، ليشغلها في أعماله لاحقاً.
ودخل إيريك برينس مجال المقاولة الدفاعية، بعد أن تلقى تعليمه في أكاديمية البحرية الأمريكية، وبعدها عمل في الجيش قائد الفرقة القتالية الجوية والبرية بالبحرية الأمريكية. وفي عام 1997، أسس أول شركة تعهد أمني باسم "بلاك ووتر"، التي قاتلت إلى جنب القوات الأمريكية في عدد من المناطق التي غَزَتها، ووظفتها وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في اغتيالات عابرة للحدود.
واشتهر مرتزقة "بلاك ووتر" بأداء أعمال وحشية وجرائم حرب بحق المدنيين. ومن بين أبرز هذه الجرائم، ما عرف بـ"مذبحة ساحة النسور" في العاصمة بغداد، عام 2007، إذ قتل مرتزقة الشركة بقتل 17 مدنيّاً عراقيّاً وجرح عشرات آخرين، ومن بين الضحايا كان رجل وزوجته وابنهما الصغير ذو التسع سنوات.
وبعد انتشار أخبار هذه الجرائم، غيّرت "بلاك ووتر" اسمها إلى "إكس إي سيرفيسز". وعادت في عام 2011، وغيرت اسمها مرة أخرى إلى "أكاديمي"، بعدما استحوذت عليها مجموعة شركات منافسة، ثم ضمت إلى مجموعة "كونستليس القابضة"، ولكن برينس كان قد استقال من رئاسة الشركة في عام 2009.
ومنذ أن ترك "بلاك ووتر"، قام برينس ببيع أو الترويج لسلسة الإمدادات الحربية الخاصة به في ما لا يقل عن 15 دولة. وأسس برينس مجموعة "فرونتيير سيرفس" للخدمات الأمنية ونقل الثروات والأموال.لكن برينس استقال من رئاسة المجموعة بعد حديث عن علاقات مالية وسياسية مشبوهة بينه وبين الرئيس السابق دونالد ترمب. وحسب نيويورك تايمز، عمل برينس على التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح حملة ترمب، ونجح في توظيف عميل استخباراتي من أجل اختراق المؤتمر التمهيدي للديمقراطيين.
ما علاقة برينس بإسرائيل؟
تمتد علاقات المقاول الأمريكي إيريك برينس بإسرائيل إلى ما قبل الحرب الأخيرة، وتدخله لإقناع الحكومة الإسرائيلية بإغراق أنفاق غزة. وتتنوع هذه العلاقات ما بين علاقات مالية والسمسرة والوساطات الاستخباراتية والأمنية.
وفي عام 2014، عمل برينس في ترويج منتجات وخدمات المراقبة الاستخباراتية، إذ عرض على بعض زملائه في شركة "فرونتير سيرفس" برنامج تحديد الموقع الجغرافي للهواتف المحمولة، الذي قال إنه حصل على ترخيص له من شركة إسرائيلية.
وأدى برينس دور الوسيط لشركة الاستخبارات الإسرائيلية "Psy-Group"، المتخصصة في التلاعب بالانتخابات باستخدام حسابات وسائل التواصل الاجتماعي، التي عملت على دعم حملة المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب عام 2016.
واشتغل برينس لصالح شركة "Carbyne" الاستخباراتية الأمريكية، التي جمعت نخبة من سماسرة السلطة وشخصيات استخباراتية من مناطق عديدة حول العالم، بما في ذلك روسيا والصين والولايات المتحدة، حسب تقرير سابق لـTRT World.
وحسب ذات التقرير، قدمت شركة "Carbyne" حلولاً عالية التقنية لمراكز الطوارئ، وكانت لديها إمكانية وصول غير مسبوق إلى المعلومات الشخصية لمستخدمي تطبيقاتها.
وجمعت شبكت العلاقات حول الشركة كلّاً من برينس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء السابق إيهود باراك. ويعد كل من باراك وبرينس أعضاء مؤسسين للشركة، ومثّل رئيس الوزراء الإسرائيلي دور منفذ الشركة إلى المخابرات الإسرائيلية.
وكشف تحقيق لصحيفة هآرتس الإسرائيلية أن المتعهد الأمني الأمريكي إيريك برينس تجمعه علاقات وطيدة بآري هارو، المدير السابق لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذ اشترك الاثنان في عدد من الأعمال التجارية في إسرائيل.
وأضافت الصحيفة أن برينس يتمتع أيضاً بعلاقات طويلة الأمد مع الممول الإسرائيلي دوريان باراك، الشريك التجاري السابق لهارو. وحسبها، فقد حاول باراك إثارة اهتمام برينس بالاستثمار في مشروع للسكك الحديدية في إفريقيا، وفي استثمار مشترك مع الملياردير اليهودي فنسنت تشنغويز، كما كانا شريكين في شركة تعدين تدعى "ألوفر".