ناقشت ندوة سياسية فكرية عقدت في العاصمة البريطانية لندن وعد بلفور ضمن السياق التاريخي والمسؤولية البريطانية وضرورة الاعتذار، بالإضافة إلى الأبعاد القانونية والسياسية للوعد وسبل مواجهة تداعياته وآثاره حتى اليوم.
ونظم الندوة، المنتدى الفلسطيني في بريطانيا مساء أمس الأربعاء، ضمن صالونه السياسي الدوري، حيث تحدث خلالها الدكتور حافظ الكرمي - عضو مؤسس في للمنتدى الفلسطيني في بريطانيا والناطق الإعلامي لهيئة علماء فلسطين، والدكتور كامل حواش رئيس حملة التضامن البريطانية مع فلسطين، والأستاذ فراس أبو هلال - الباحث الفلسطيني والكاتب والصحفي، وأدارها الإعلامي الفلسطيني جمال أحمد.
الدكتور حافظ الكرمي أكد أن "الدور البريطاني كان جوهرياً في التسبب بكارثة الشعب الفلسطيني، حيث ما زالت أرضه محتله، وما زال أغلبية أبنائه مشردين ولاجئين خارج فلسطين، فضلاً عن اللاجئين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة. وما زالت قضية فلسطين تشغل المنطقة والعالم طوال السبعين عاماً".
واستبعد الكرمي أن تكون الحكومة البريطانية تميل إلى مراجعة سلوكها الاستعماري في فلسطين، والذي أدى إلى إنشاء الكيان الصهيوني على أرضها على الرغم من أن الاعتذار البريطاني أمرٌ ممكن من الناحية النظرية - وفق الكرمي- إذ سبق لبريطانيا أن اعتذرت عن دورها في تجارة العبيد في الحقبة الاستعمارية، كما اعتذرت عن دورها في تسببها بالمجاعة في إيرلندا في القرن التاسع عشر.
وأشار الكرمي أن "النفوذ الصهيوني ما زال أكثر حضوراً وقوة في أدبيات السياسة البريطانية. وبالرغم من الحضور المتزايد للحق الفلسطيني إلا أنه ما زال أمامه شوط طويل للوصول إلى القطاعات الأوسع في الشارع البريطاني وإقناعها". وأضاف: "ومع كل ذلك سنبقى نطالب بريطانيا بالاعتراف بجريمتها والاعتذار عنها ، وتقديم تعويضات مادية ومعنوية للشعب الفلسطيني نظير ذلك حتى يأتي يذلك اليوم الذي ترضخ فيه للمحاسبة عن هذه الجريمة ، فالقوي لا يبقى قوياً والضعيف لا يبقى ضعيفا" على حد تعبيره.
وأكد الكرمي على دور المثقفين والمتخصصين والعلماء، مطالباً لهم بأن يتقدموا الصفوف في مواجهة هذا المشروع، من خلال حمل الرسالة والقضية، مشدداً "نريد المثقف الملتزم الذي يعطي فلسطين دمه وماله ووقته".
الدكتور كامل حواش في مداخلته قارن بين "ضغط الحركة الصهيونية واللوبي الصهيوني نحو إقامة وطن لهم في فلسطين في السابق والذي أدى في النهاية إلى إعلان بلفور والذي في الواقع لم يتم التصويت عليه في البرلمان البريطاني آنذاك، وبين ما حصل قبل بضعة أسابيع وما فعلة لوردات اثنين من حزب المحافظين البريطاني حين انتزعوا من رئيس الوزراء البريطاني خطاباً يقول فيه إن " محكمة الجنايات الدولية مهمة لكن الأمر يتوقف عند إسرائيل أولاً، لأن إسرائيل ليست عضو في المحكمة وفلسطين ليست دولة".
وفي السياق التاريخي حول إعلان بلفور وما تبعه من نكبة الشعب الفلسطيني ، ذكر حواش أنه " كان من المفروض أن يحصل في فلسطين كما حصل مع الدول المجاورة وقتها كلبنان وسوريا والعراق وأن يستقل شعب فلسطين كما استقلت هذه الدول، وليس بهذا التغيير الديمغرافي والذي سمحت به بريطانيا وأتت بإسرائيل، وأن فلسطين هي الدولة الوحيدة التي حصل فيها هذا التغيير لأن بريطانيا اطلقت وعد بلفور وأدخلته على اتفاقية الانتداب وسعت لتقوية الجانب الصهيوني وكبت المؤسسات الفلسطينية في ذلك الوقت حتى لا تنهض، وحين تركت بريطانيا فلسطين كانت القوات الصهيونية قد سيطرت على 78 % من الأرض".
وعن إمكانية اعتذار الحكومة البريطانية عن وعد بلفور ، قال حواش: " الوضع اليوم لم يختلف كثيراً منذ وعد بلفور، ما زال هناك سلب لحقوق الفلسطينين وليس هناك توجه من الحكومة البريطانية لرد الاعتبار للشعب الفلسطيني أو تعويضهم وليس هناك أي توجه لدعم الحق الفلسطيني بل إن الحكومة البريطانية تتوجه حالياً لسن قانون يمنع حتى المجالس المحلية من مقاطعة شركات لها علاقة بدولة الاحتلال، بل وتلجأ إلى تعريف لمعاداة السامة وادخال إسرائيل على الخط حيث تستعمل هذا التعريف في إسكات الأفواه على الرغم من عدم قانونيته لكي يستخدم لاسكات الصوت الفلسطيني في الجامعات البريطانية مثلاً، وحتى أي فعالية داعمة لفلسطين في بريطانيا".
ودعا حواش حركات التضامن في بريطانيا والجاليات الفلسطينية أن يكون لها دور "لتقوية الضغط على الحكومة البريطانية لتغيير سياساتها أولا تجاه القضية الفلسطينية والاعتذار عن وعد بلفور ودعم أي خطوة في هذا الاتجاه، وحشد الطاقات نحو دعم الرواية الفلسطينية في الصراع".
بدوره تحدث فراس أبو هلال عن أن "مجرد صدور هذا الوعد هو إجحاف بحق الفلسطينينين وطمس للحقائق التاريخية، وهي تعتبر حادثة غريبة في التاريخ حتى بشهادة كثير من الكتاب اليهود وهي أن يقوم شعب بمنح شعب اخر وطنا لشعب ثالث، مع انه لم تكن بريطانيا وقتها تحتل فلسطين أصلاً".
وأضاف أبو هلال أن "جوهر المسألة هو سرقة حقوق شعب وتهجيره واحلال شعب آخر مكانه، على الرغم من محاولات الحركات الصهيونية آنذاك لتبرير وعد بلفور تحت مظلة أخلاقية بسبب معاناة اليهود في ذلك الوقت، ولكنه في الواقع عكس ذلك وانما كانت حركة استعمارية استغلت معاناة اليهود لتمرير مشروع بلفور الاستعماري".
وتابع: "على الرغم أن الواقع يقول أن بريطانيا لن تعتذر عن وعد بلفور، لكن كل خطوة في العمل التضامني مع فلسطين هي خطوة مهمة وكل خطوة في تصحيح الرواية عن الصراع هو أمر ضروري، لأن دولة الاحتلال دولة مطعون في شرعيتها، وهي تخشى التغيير في رواية الصراع وتريد فوزاً نظيفاً من دون أن تعيقها شيء، لذلك عادة ما يقوم الاحتلال بتلطيخ سمعة أي شخص أو مؤسسة تقوم بانتقاد الاحتلال لأنه يعلم تماماً أن شرعيته دائماً في محل تساؤل".
وأضاف: "يجب علينا كفلسطينين أن لا نغرق كثيراً في التفاصيل، بل يجب علينا أن نتوحد تحت سقف رفض مبدأ وعد بلفور كاملاً دون الاعتراف بأي جزئية منه مع ضرورة استثمار خطوة اعتذار بريطانيا عن وعد بلفور في مجال إعادة الحق الفلسطيني إلى أصحابه".
الجدير بالذكر أن هذه الندوة جزء من برنامج دوري لصالون سياسي يحرص المنتدى الفلسطيني على تنظيمه بين حين وآخر للجالية الفلسطينية والمتضامنين معها في بريطانيا.