لائحة الاتهام لـ ميتا تتسع!

المحتوى الفلسطيني يُقارع "المنصات".. وكالة شهاب نموذجًا

صورة توضيحية

تحت وطأة الآلتين الرقمية والعسكرية على حد سواء، يخضع المحتوى الفلسطيني إلى تسلط أيدٍ لم تبقى خفيّة، تُبقي على صوته حبيس مكانه دون السماح له بالوصول والانتشار على أكبر قدر ممكن من الحجب، أمام ميزان مختل رجحت كفته لجانب على حساب آخر، في طرفي قضية يديرها جلّاد ليُسكت الضحية.

لا تُؤخذ الشعارات على محمل الصدق حتى لو أطلقتها أكبر الشركات العالمية، تماماً مثلما فعلت "ميتا" مع ملايين المشتركين العرب والفلسطينيين أصحاب الحسابات الرقمية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد فرضها للوائح وتنبيهات وتقييدات تحد من حرية المضمون الفلسطيني، فخالفت بها معايير "حرية الرأي والتعبير".

وكالات أنباء ومؤسسات إعلامية ونشطاء مؤثرين حصدوا متابعات بأرقام مليونية على مواقع التواصل الاجتماعي، سخّروا منصاتهم لنشر القضايا الفلسطينية بألوانها، لكن "ميتا" قابلتهم بالملاحقة والتهديد والإغلاق والتقييد والحجب بذريعة "محاربة خطاب الكراهية والعنف ومعادة السامية".

ادعاءات كاذبة

"في سبيل إعدام الرواية الفلسطينية، انتهجت شركة ميتا طريقة المحاربة المستمرة بتسخير قدراتها التكنولوجية والبرمجية والبشرية في واحدة من دوافع تجريم المحتوى الفلسطيني ومواجهته رقمياً، بتوجيه "إسرائيلي" بحت تماماً بالتزامن مع آلة حربها الفتاكة ضد المدنيين"، يقول مدير وكالة شهاب شادي أبو صبحة لـ"الرأي".

لا يمكن إحصاء عدد المرات التي أُغلقت فيها منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بـ"وكالة شهاب" الفلسطينية، والتي تقع جغرافياً ضمن حدود المنطقة المقيّدة بالشروط واللوائح دون مراعاة حجم عملها كمؤسسة إعلامية فلسطينية مختصة بتناول الأحداث الميدانية الفلسطينية.

"مبررات غير مهنية"، وصف أبو صبحة تعامل "ميتا" مع وكالته خصوصاً، وشتى الوسائل الإعلامية الفلسطينية على منصاتها بغرض التكتيم على الرواية الفلسطينية ومنعها من الوصول وتجاوزها حدود الجغرافيا الافتراضية، منوهاً إلى أن أبرز الإغلاقات لـ"شهاب" كانت بشكل فُجائي بعدما وصل عدد متابعيها من شتى أنحاء العالم إلى 8 مليون متابع.

يتضاعف التواطؤ مع المنظومة "الإسرائيلية" أوقات الأحداث وارتكاب الجرائم بحق أبناء الشعب الفلسطيني في أنحاء الأراضي المحتلة وقطاع غزة يؤكد مدير "شهاب"، فيحدث بالتوافق هجوم رقمي مضاد لعزل ما يحدث عن العالم.

يقول "أبو صبحة" إن وكالته حاولت مراراً التواصل مع إدارة "فيس بوك" و"انستجرام" للحصول على جواب أمام حزمة عقوبات الحجب والتقييد وإغلاقها لعشرات الحسابات التابعة لذات المؤسسة، تلخص رد الأخيرة في مبررات عديدة أبرزها أن المحتوى المنشور هو مناهض للسلام، وادّعائها بأن هناك بلاغات "حكومية" ضد "شهاب".

على لائحة الاتهام تتربع "حكومة رام الله" يؤكد على ذلك مدير "شهاب"، طبقاً لاستجابة "ميتا" لمطالبات حكومية رسمية بإغلاق بعض الحسابات يدوياً، بينما تتذرع "ميتا" بأن برمجيات ذكية تخضع لمعايير تقييم المحتوى، وعلى أساسه يتم تصنيف الحساب بأنه مخالف للسياسات القائمة.

"شهاب" وغيرها من الحسابات الرقمية الفلسطينية لم تعجز الوسيلة في إيصال الرسالة، فبذلت محاولاتها للهروب من مآزق ملاحقتها بمسميات مختلفة، وذلك من خلال سلك حسابات ومنصات جديدة لا تنحصر في منصات "ميتا" وحدها، مضيفاً "أبو صبحة" أنه لم يتنازل عن وسم الأخبار ومقاطع الفيديو والقصص الصحفية باسم وكالته، ولكن الهدف أسمى من ذلك بكثير.

الانقلاب الرقمي ضد المحتوى الفلسطيني بدأ منذ نهاية العام 2016، وقتما قامت دولة الاحتلال بإلزام شركات الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، بقانون جديد يخضع لعقوبات مالية كبيرة على الشركات التي لا تتعامل بسرعة مع الطلبات المقدمة من الحكومة "الإسرائيلية" لحذف المحتوى الفلسطيني بذريعة معادته للسامية وتشجيعه على الكراهية.

ازدواجية والمنفذ القانوني

معرفة الآليات والتقنيات البرمجية التي تعمل على أساسها منصات التواصل الاجتماعي، هي واحد من أساليب التحايل على سياسات "ميتا" ما يُلزم المؤسسات الإعلامية الفلسطينية لضم كوادر متخصصة في صناعة الحسابات ومحتواها وإدارتها، بهذا أوصى الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي ومدرب الإعلام الرقمي سائد رضوان، خلال حديثه لـ"الرأي".

"هناك خوارزميات مصممة خصيصاً للمحتوى المنشور من المنطقة الجغرافية بحدود قطاع غزة، وبذلك تُصنفه منصّات التواصل الاجتماعي بالمحتوى الدوني فتقابله بالحجب والتقييد والحذف لآلاف الحسابات الفلسطينية"، يوضّح رضوان.

وصنّف رضوان المنافذ القانونية بثلاث مستويات، ما يمكّن لأصحاب الحسابات المتضررة المطالبة باسترجاع حقوقهم عبرها، أولها المنفذ الحكومي الذي يخضع الحساب تحت حكمه، وهذه واحدة من أصعب المنافذ كون "حكومة رام الله" تقع في لائحة الاتهام بمشاركتها في الإبلاغ عن الحسابات المنافية لسياستها، بحسب رضوان.

بالخصوص قالت مديرة السياسات في مؤسسة اكسس ناو بالشرق الأوسط مروة فطافطة: "السلطة الفلسطينية عملت على محاربة أي أصوات معارضة فلسطينية على فيسبوك، وحاولت التعلم من الجانب الإسرائيلي بدل أن تحمي المحتوى الفلسطيني وتدافع عنه".

بينما يتلخص المنفذ الثاني في المراسلات المتخصصة بين صاحب الحساب وإدارة "ميتا"، ولكن هذا المنفذ لاغي كونه لا يوجد اتفاقية مبرمة تتيح للحسابات الفلسطينية التفاوض مع "ميتا"، وأما المنفذ الأخير فهو الحقوقي وهو أيضاً يتعسر الوصول إليه، ونوّه رضوان إلى أن الحسابات التي تعرضت للهجوم والإغلاق تم الاستجابة لها واستعادتها كونها تقع ضمن المنطقة المحتلة –الإسرائيلية-.

واحدة من العقبات التي بدأت المؤسسات الإعلامية بدراستها، وهي الدمج بين التخصصين الإعلامي والبرمجي رغما عن اعتبار كل جسم مختص ومستقل بذاته، حيث أكد رضوان على أن التخصصين بحاجة إلى تعايش وانسجام حقيقي للخروج مآزق منصات التواصل الاجتماعي.

عقوبات أخرى

لم تنحصر سبل محاربة المحتوى الفلسطيني إلى حد إغلاق الحسابات، بل امتدت إلى الاعتقال والحكم بالسجن لأشهر وسنوات بتهمة "التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي"، كما حدث مع الصحفي المقدسي رمزي العباسي المحكوم بالاعتقال الإداري لمدة عام بعد قضائه ستة أشهر دون حكم، وكذلك الحكم على الصحفي "محمد منى" بالسجن ستة أشهر بتهمة "التحريض الرقمي".

يذكر أن أكثر من 541 انتهاكًا رقميًا بحق المحتوى الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي وثقها مركز "صدى سوشال" منذ بداية العام الحالي، مع تأكيده على عدم حيادية "ميتا"، وعدم وقوفها في مسافة متساوية من جميع المستخدمين، مطالباً شركة "ميتا" بفتح سياساتها للنقاش مع مؤسسات المجتمع المدني، ورفض الطلبات الإسرائيلية بحجب المحتوى الفلسطيني وتغذية خوارزميات الحظر بكلمات وصور فلسطينية.

المصدر : وكالة الرأي

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة