لم تكن الضجة التي أُثيرت في التاسع والعشرين من أبريل من عام 2014م، بإفراج الاحتلال عن جثتين لمقاومين فلسطينيين أمراً مستغرباً، فالجثتان كانتا للشقيقان عادل وعماد عوض الله اللذين دوّخا الاحتلال وأصاباه في مقتل.
وبينما تحل اليوم ذكرى استشهادهما، يستذكر الفلسطينيون ومن قبلهم الكيان الصهيوني الغاصب، شتاء عام 1996م أحد أصعب الأوقات وأكثرها رعباً في تاريخ الكيان، حين قُتل 46 صهيونياً وأصيب العشرات في أسبوع واحد، في سلسلة عمليات "الثأر المقدس"، انتقاماً لاغتيال الشهيد المهندس يحيى عياش.
وقتها جن جنون الاحتلال وقادته السياسيين والعسكريين، وبدأ الكيان والسلطة الفلسطينية وبتنسيق كامل بينهم، حملة اعتقالات غير مسبوقة في غزة والضفة طالت عناصر وأنصار حركة حماس، وتحولت سجون السلطة إلى مسالخ للشبح والتعذيب.
رحلة المطاردة
اختفى الشقيقان القائدان في كتائب القسام عادل وعماد عوض الله عن الأنظار بعدما باتا أبرز المطلوبين للاحتلال وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية لدورهما البارز في كتائب القسام ومقاومة الاحتلال وقتل جنوده ومغتصبيه.
قوات كبيرة من أجهزة أمن السلطة الفلسطينية داهمت منزل عائلة عوض الله الواقع في مدينة رام الله في مدينة البيرة القريبة من رام الله، وأخضعته لرقابة شديدة على مدار الساعة؛ حتى بلغ بهم الأمر لاستجواب واعتقال كل من يزور بيت العائلة.
نجح القائدان عادل وعماد بالاختفاء عن أعين أجهزة الأمن الصهيونية والفلسطينية عامين كاملين على الرغم من الجهد الاستخباري والأمني الكبيرين للبحث عنهما، قبل أن يتمكن جهاز المخابرات العامة الفلسطيني من اعتقال القائد عماد من أحد المنازل، فيما بقي القائد عادل حراً طليقاً يخطط للإثخان في العدو واستهداف جنوده ومغتصبيه.
4 أشهر من العذاب
يروي الشهيد عماد في رسالة كتبها عقب فراره من السجن بتاريخ 18/8/1998م، ما واجهه في سجون السلطة الفلسطينية، يقول: أمضيت أربعة أشهر في عدد من السجون، لاقيت فيها من التعذيب ما لا يتحمله بشر، من شبح متواصل وضرب على الرأس وتجريد من الملابس ونتف للحية ولشعر الرأس، حتى كدت أن أفقد حياتي في إحدى المرات.
ويتابع، لقد تركزت الأسئلة خلال التحقيق حول مكان تواجد شقيقي عادل، وحول علاقتي مع الشهيد المهندس محي الدين الشريف وعدد من الإخوة الذين اعترفوا تحت التعذيب بأني قد نظمتهم في الجهاز العسكري وأمددتهم بالسلاح، معقباً: لقد عاهدت الله على مسامع قيادة السلطة ألا أتفوه بكلمة أضر بها نفسي وإخواني ولو نُشرت بالمناشير.
جريمة اغتيال ملفقة
بالعودة إلى الوراء قليلاً، فقد تورط جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني قبل اعتقال القائد عماد عوض الله بفترة وجيزة باغتيال الشهيد القسامي القائد محي الدين الشريف بعد تعرضه لتعذيب شديد أدى إلى وفاته بعد بتر قدمه خلال التعذيب، حاولت السلطة التغطية على جريمتها وتلفيق القضية عبر وضع جثة الشهيد في سيارة مفخخة، ومن ثم تفجيرها وإلصاق التهمة بالشقيقين عادل وعماد عوض الله في محاولة لضرب الصف الداخلي لكتائب القسام.
وعلى الرغم من التعذيب الشديد فقد رفض الشهيد عماد الاعتراف بالتهم التي وجهت له ولشقيقه، أما الشهيد عادل فاضطر وقد كان مطارداً في وقتها للكشف عن شخصيته وتسجيل شريط فيديو نشرته وكالة رويترز، فنّد فيه اتهامات السلطة الفلسطينية بوقوفه وراء عملية اغتيال الشهيد محي الدين الشريف.
وأكد عادل في الشريط المصور على التمسك بخيار المقاومة، وأوصى فيه بألا يتم الانتقام لاستشهاده ممن قتله بل الانتقام من الاحتلال الصهيوني، يقيناً منه بأن الضربة سوف تأتي ممن سخروا أنفسهم عبيداً للصهاينة، خاصة وأنه نجى من محاولتي اغتيال، أطلقت أجهزة السلطة النار في إحدى العمليتين على سيارة فلسطينية تطابقت مواصفاتها السيارة التي كان يتنقل بها الشهيد عادل؛ وقتلت سيدة فلسطينية في الحادث.
فخ الهروب
بعد أربعة أشهر من التعذيب والشبح، تمكن الشهيد القائد عماد عوض الله من الهروب من السجن في عملية اتضح فيما بعد أنها كانت معدة من قبل السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع الاحتلال، الهدف منها الوصول إلى الشهيد القائد عادل عوض الله، حيث تم غرس جهاز تتبع إلكتروني في جسد الشهيد عماد.
أيام قليلة مضت على فرار الشهيد عماد من سجون السلطة حتى تمكنت قوات الاحتلال من اغتيال الشقيقين القائدين عماد وعادل عوض الله في تاريخ 10/9/1998 في إحدى المزارع المجاورة لقرية ترقوميا بمدينة الخليل، بعد عملية مطاردة استمرت ثلاث سنوات، واحتفظت بجثامينهم الطاهرة فيما تسمى بـ"مقابر الأرقام".
وفور سريان خبر اغتيال الشهيدين عوض الله، رحبت سائر الصحف الصهيونية في مقالاتها وتعليقاتها الافتتاحية بالعملية، لكنها وفي الوقت ذاته ضمّنت ترحيبها بسيل من المحاذير والمخاوف والتوقعات المتشائمة إزاء ما تخبئه الأيام والمرحلة القريبة المقبلة من تهديدات في أعقاب عملية الاغتيال.
كرامة الشهداء
بعد مضى أعوام على استشهاد القائدين عادل وعماد، أفرجت قوات الاحتلال في شهر أبريل قبل أعوام عن جثمانيهما، وشارك آلاف المواطنين في تشييعهما في مدينة رام الله وسط الضفة بمشاركة جماهيرية واسعة من قبل أعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني وقيادات في حركة "حماس.
وذكرت المصادر الطبية حينها أن جثتي الشهيدين الأخوين عماد وعادل عوض الله لم تتحللا رغم مرور 16 عاماً على استشهادهما، كما أن ملابس الشهيدين لم تتحلل نهائيا، وأن زوجة أحد الشهيدين تعرفت على زوجها من القميص الذي كان يرتديه.
لتمثل بذلك قصة الشهيدين القائدين عادل وعماد عوض الله، صفحة قاتمة السواد في سجل سياسة التنسيق الأمني المستمرة حتى اللحظة، التي انتهجتها أجهزة السلطة منذ قدومها في العام 1994، إلى الضفة وقطاع غزة.