أسامة سعد

نداء استغاثة العالم وسفينة تايتنك

يمر بنا الزمن وتدور دورته، وتحيط بنا أقدار الله سبحانه وتعالى، وتمضي بنا تلك الاقدار إلى مشيئة الله لترىَ الإنسان في نفسه عبر وعظات تذكره بأنه مخلوق ضعيف من مخلوقات الله خاضع لقدرته ومشيئته، وكلما دارت أحداث التاريخ يجد فيه الإنسان حين يتفكر تشابها وتناظرا في مجريات تلك الأحداث مع اختلاف في الظروف والاوقات والتفاصيل، ولعل ما اسطره هنا من كلمات يعبر عن ما جال في خاطري من ترابط بين حدثين الفارق الزمني بينهما حوالي مائة عام. 

 أبحرت سفينة تايتنك في رحلتها الأولى العام 1912 من إنجلترا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت حسب الشركة المصنعة لها تعتبر سفينة ضد الغرق، وقد رسخ ذلك في أذهان ركابها وطاقمها، لدرجة أن ربان السفينة وطاقمها رفضوا أن يحملوا على سطحها قوارب نجاة تتناسب مع عدد المسافرين وذلك لاعتقادهم الجازم أن سفينتهم صممت بحيث لا يمكن لها أن تغرق، ففضلوا استغلال سطح السفينة من أجل تجهيز أماكن استجمام لهو لركابها.

وفي يوم 15 أبريل من العام 1912 في شمال المحيط الأطلسي بعد أربعة أيام من بداية رحلتها الأولى من مدينة ساوتهامبتون إلى نيويورك غرقت التايتنك وعلى متنها نحو 2224 شخص حينما اصطدمت بجبل جليدي الساعة 11:40 دقيقة مساءً وغرقت بعد ساعتين وأربعين دقيقة في الساعة 2:40 مما أدى إلى موت 1500 شخص وكانت كارثة من أكبر الكوارث المميتة.

ومن دراما المشهد أن أول سفينة إنقاذ وصلت إلى موقع السفينة تايتنك بعد حوالي تسع ساعات من إطلاق نداء استغاثتها وكان قد مر على غرق التايتنك حوالي الساعة والنصف.

تحل ذكرى غرق تايتنك بعد حوالي أسبوعين وهي فترة الحجر الصحي المقرر طبياً للمصابين أو المشتبه بإصابتهم لفيروس كورونا، ولعل أوجه التشابه الكبيرة بين مأساة تايتنك وما تعايشه البشرية اليوم من مأساة ليهيئ لك أن التاريخ يعيد نفسه ولكن بصورة أخرى تتشابه في مجرياتها وتختلف في تفاصيلها.

 فقد صممت تايتنك كسفينة ضد الغرق وكأنها تحد لقدرة ومشيئة الله، تماما كحال البشرية اليوم التي ظنت أنها قادرة على كل شيء فجاءها بأس الله سبحانه وتعالى من حيث لا تحتسب وسخر أضعف مخلوقاته كورونا ليحطم هذا الكبرياء تماما كما حطم جبل الجليد كبرياء تايتنك.

لم يكلف مصممو تايتنك أنفسهم لوضع مزيد من قوارب النجاة على متنها وفضلوا أن يجعلوا أماكنها مناطق استجمام ولهو، وكذلك لم تول البشرية لصحة الإنسان ما يلزم من الاتفاق وفضلت الإنفاق على وسائل اللهو والمجون حينا ووسائل الدمار والقتل والفتك أحيانا، لذا انهارت الأنظمة الصحية ولم يجد المرضى أجهزة تنفس تنقذهم من الموت، تماماً كما حدث من ركاب تايتنك حين لم يجدوا قوارب تحملهم لتنقذهم من غرق محقق، لكن المفارقة أن طاقم تايتنك جعل أولوية ركوب قوارب النجاة لكبار السن والأطفال بينما اليوم الأولوية في أجهزة التنفس لليافعين القادرين على مقاومة المرض.

أطلقت تايتنك نداء استغاثتها فور اصطدامها بالجبل الجليدي ولكن الزمن كان أسبق من الإغاثة فغرقت بعد ساعتين وأربعين دقيقة فيما وصلت الإغاثة بعد تسع ساعات من حصول الاصطدام.

وكذلك حال البشرية اليوم التي أطلقت نداء استغاثتها فور اكتشاف الفيروس لكن كما هو مقدر علمياً أن اللقاح يحتاج من عام إلى عام ونصف بينما المرض يفتك ويقتل في أسبوعين أو أكثر قليلاً.

غرق من ركاب تايتنك حوالي 68% من ركابها فيما نجى البقية ممن توفرت لهم أسباب النجاة من الذين استطاعوا أن يركبوا القوارب أو صمدوا في الماء المتجمد حتى وصلت النجدة ولكن هل يصمد البشر أمام جائحة كورونا أم أن الله قدر لنا شأنا أخر. فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة