يحلق طيف ذكرى انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في ربوع الوطن فلسطين، فيمر فوق القدس العاصمة قاصداً كل شبر محتل، ثم يرمق قبور شهداء احتضنهم التراب بعد رحلة من الجهاد، كما يلقي بظله الوارف على أسرى الحرية مجدداً الأمل لديهم بالفرج القريب، فحماس وقادتها وجيشها لا زالوا على العهد الذي انطلقوا من أجله، والثوابت عندهم لا تمس، ولئن ناوروا في التكتيكي فإن الاستراتيجيات واضحة ثابتة لا تزيغ عنها الأبصار، ويبقى الجهد الدائب مستمراً يقرب شعبنا عاماً بعد عامٍ من تحقيق حلم التحرير.
وفي ذكرى انطلاقة حماس، نسلط الضوء على أبرز المحطات الجهادية للحركة منذ تأسيسها.
الانتفاضة الأولى
بنادق قليلة وعدد محدود من المجاهدين، أقضت مضاجع العدو الصهيوني وشكلت له إزعاجاً وأرقاً، إلى أن وصل الأمر بقادة الاحتلال أن يتمنوا الاستيقاظ من النوم وقد ابتلع البحر قطاع غزة، فيما كان صداع الضفة لا يفارقهم.
وفي مطلع عام 1992م أعلن رسمياً عن الذراع العسكري لحركة حماس "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، ليشمل جميع المجموعات المقاتلة، وتبدأ مرحلة جديدة من العمل المقاوم على الساحة الفلسطينية، فمن كل زقاق ومخيم ومدينة خرج مجاهدو القسام لمواجهة وإيلام العدو قتلاً وجرحاً في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وسرعان ما انتقل المجاهدون لمرحلة لن ينساها العدو أبداً، أذاقه استشهاديو الكتائب خلالها الموت الزؤام في الداخل المحتل وفي مواقعه المختلفة بعرباتهم وأحزمتهم الناسفة، وبموازاة ذلك كانت عمليات أسر الجنود الصهاينة لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين تشكل هاجساً لدى قادة الاحتلال.
الانتفاضة الثانية
ظن العدو بأنه من خلال ضرباته الموجعة، ومن خلال الاستهداف المكثف للمجاهدين من قبل أذرعه الآثمة من أجهزة سلطة أوسلو، ظن بأنه لن تقوم للمجاهدين قائمة، فجاءت انتفاضة الأقصى لتقلب الطاولة على الجميع، فحطم المجاهدون قيد السجون وانطلقوا إلى ساحات المواجهة مع المحتل.
ففي الضفة المحتلة كان الاستشهاديون العنوان الأبرز لجهاد كتائب القسام، وفي القطاع كانت الكتائب تروي فصول حكاية جيش تحرير آخذ بالتشكل، وتحت وقع الضربات الكبيرة وعلى رأسها حرب الأنفاق، اضطر العدو مرغماً على الانسحاب من القطاع أواخر العام 2005م.
الوهم المتبدد وفاءً للأحرار
من موقع ترميد جنوب رفح حيث أول عملية تفجير استهدفت موقعا لجيش الاحتلال بواسطة نفق أرضي، مروراً بموقع حردون العسكري، إلى عملية براكين الغضب في رفح، وزلزلة موقع محفوظة العسكري، وليس انتهاء بعملية الوهم المتبدد شكلت الأنفاق نقطة فارقة في تكتيكات القسام.
وكانت عملية الوهم المتبدد شعلة أمل أوقدها مجاهدو القسام للأسرى الفلسطينيين إيذاناً ببدء معركة فكاك أسرهم القريب، وبين هذه العملية وتحرير الأسرى فصول مواجهة سطرت فيها المقاومة الفلسطينية أروع ملاحم البطولة الفداء، خلال تصديها لقوات الاحتلال سواء في معركة وفاء الأحرار أو غيرها من الحملات الصهيونية على القطاع، إلى أن أثمر الصبر ومعركة العقول نصراً بتنسم 1050 أسيراً عبق الحرية.
معارك طاحنة
بدأت معركة القسام مع العدو إبان الانطلاقة ولن تتوقف إلا بدحره، وقد اختلفت أشكالها وتكتيكاتها بين المعارك الظاهرة من اشتباكات ومواجهات والمعارك الخفية وصراع الأدمغة والحرب الأمنية.
وقد كانت معركة الفرقان عام 2008م، محطة فارقة في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، وعلى قسوة تلك المعركة إلا أن صمود الشعب الفلسطيني وثبات وشجاعة المقاومة أثمرت نصراً بصمود الشعب والمقاومة ودحر العدوان دون تحقيق أي من أهدافه.
وخلال معركة حجارة السجيل عام 2012م، أراد العدو كسر شوكة الكتائب باستهداف القائد الكبير أبو محمد الجعبري مهندس صفقة وفاء الأحرار، لكن المفاجأة كانت باستهداف عاصمة كيانه لأول مرة في تاريخ الصراع، وخلال ثمانية أيام ركع العدو صاغراً أمام ضربات مجاهدي كتائب القسام والمقاومة، ونزل عند شروطهم لوقف المعركة.
أما في معركة العصف المأكول عام 2014م، فقد كسرت كتائب القسام شوكة الجيش الذي ادعى البعض أنه لا يقهر، فنقلت الكتائب المعركة لداخل أرضنا المحتلة عبر الإنزال خلف الخطوط، وزادت من رقعة المناطق المستهدفة بصواريخها، وعبر البحر أغار أبطال الكوماندوز على مواقع الاحتلال، كما وقع عدد من جنود العدو في قبضة القسام.
وخلال معركة سيف القدس عام 2021م، والتي انطلقت شرارتها نصرةً للأقصى والقدس، فقد أنارت صواريخ القسام سماء فلسطين المحتلة، حتى وصلت إلى مدى 250كم، كما كان لهذه الصواريخ الأثر الكبير في إيقاع القتلى والجرحى بين الصهاينة، إضافة إلى الدمار والرعب الذي خلفته والذي لم يكن للعدو أن يتوقعه، فانتصرت غزة للأقصى وقدمت القادة والجند خلال هذه المعركة التي أثبتت مجدداً أن العدو أوهن من بيت العنكبوت.
وفي عام 2022م، كشفت كتائب القسام عن أكثر أسلحتها سريةً وغموضًا، وهو سلاح السايبر الذي شكل نقلةً نوعية في الصراع مع العدو الصهيوني، كما أعلنت وقتها عن أبرز عمليات السلاح وما حققه أبطال السلاح من اختراقات وإنجازات على مدار 8 سنوات منذ تأسيسه عام 2014 على يد الشهيد القسامي القائد جمعة الطحلة.
مراكمة القوة
وتواصل كتائب القسام مراكمة القوة استعدادا وتجهيزا لمعركة التحرير، وقد شاهد العالم بأسره كيف ينحت مجاهدو القسام الصخر ويغوصون في أعماق البحر من أجل تطوير القوة العسكرية للمقاومة في قطاع غزة رغم الحصار المفروض عليها منذ سنوات، ولا زال جمر الضفة يغلي تحت الرماد، يتطاير شرره ليحر المحتل من حينٍ لآخر.
وخلال الأعوام الأخيرة، وقبل معركة سيف القدس خاضت كتائب القسام جولات جهادية مختلفة، ظهر خلالها حجم التطور الذي وصلت إليه صناعاتها وإدارتها للنيران وضبطها لإيقاع الصراع، كما استطاعت خلالها تثبيت قواعد اشتباك محددة، وتميزت هذه الجولات بأن خاضتها قوى المقاومة موحدةً في إطار الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الأمر الذي أثلج صدور محبي المقاومة وأرق أعداءها.
وستبقى حماس على عهدها مع الله ثم مع شعبها وأمتها، تواصل مسيرة الجهاد والمقاومة، رغم كل التضحيات والتحديات والصعاب، ونحن على موعد يقترب أكثر فأكثر لإساءة وجوه الصهاينة من جديد، تحرر فيه الأرض والمقدسات، وتكون فيه الغلبة للمجاهدين أصحاب الحق.
"حماس، #الطوفان_الهادر".. 35 عاما من الجهاد والمقاومة لم تغير أو تبدّل
— وكالة شهاب للأنباء (@ShehabAgency) December 14, 2022
انتاج وكالة #شهاب pic.twitter.com/w8i2S4mVFu