رسخّت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" منذ انطلاقتها عام 1987م المقاومة كخيار استراتيجي لتحرير أرضنا ومقدساتنا، والتي أدركت من خلالها أنها أمام سيل جارف من التحديات والمؤامرات التي ستواجهها لكسر شوكتها ووأد مقاومتها.
لم تحد حركة حماس قيد أُنملة عن مشروعها المقاوم، بل قدمت وبذلت الغالي والنفيس، من قادة عظام وتضحيات جسام لا حصر لها حفاظًا على مشروعها، واستكمالًا لرسالتها الواضحة في تحرير الأرض وطرد المحتل منها.
طريق الحركة لم يكن معبدًا بالورود، بل حُوربت من الاحتلال وأعوانه، فالسلطة الفلسطينية وقفت سدًا منيعًا أمام الحركة عبر اعتقال مقاوميها وانتهاج التنسيق الأمني وكبح جماح المقاومة، أملًا زائفًا في تحصيل فتات دولة منزوعة من كل شيء.
المحاربة منذ النشأة
تزامن انطلاق حركة حماس مع اندلاع انتفاضة الحجارة عام1987م، فمثّلت الحركة نموذجًا مشرفًا في المقاومة والتحدي، وعملت على إبقاء جذوة المواجهة مشتعلة من خلال تطوير أساليب المواجهة المختلفة، فسعى الاحتلال إلى وأدها في مهدها، فاعتقل عام 1989 أكثر من ألف من قادتها وعناصرها.
تلا ذلك قرار حكومة الاحتلال في ديسمبر عام 1992م بإبعاد 415 من قادة العمل الإسلامي جُلهم من قادة حركة حماس من الضفة وغزة إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، عقب أسر كتائب القسام الرقيب أول نسيم توليدانو وقتله بعد رفض الاحتلال الخضوع لشروط آسريه.
أرد الاحتلال بإبعاد قادة حماس القضاء على المقاومة في فلسطين، لكنهم حوّلوا محنتهم إلى منحة ورحلة وتجربة في كل المجالات، ونجحوا في كسر قرار الإبعاد ووأد هذه السياسة في مهدها، وأرغموا الاحتلال على إعادتهم إلى وطنهم، ليستكملوا بعدها مسيرة المقاومة.
لعنة أوسلو
وعلى وقع اتفاقية أوسلو والتزام السلطة ببرنامجها الأمني المشترك مع الاحتلال، سخرت جميع أجهزتها وأدواتها الأمنية في ملاحقة رجال المقاومة وتعقبهم من كل أطياف العمل الوطني الفلسطيني.
وفي عام 1996م، نفذت السلطة وأجهزتها الأمنية أكبر سلسلة اعتقالات سياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة، طالت المئات من أنصار حركة حماس وكوادرها، وزجت بمعظم قادتها ورعيلها الأول في السجون، ومارست ضدهم صنوفًا من التعذيب الشديد.
لاحقا فرضت أجهزة السلطة الأمنية الإقامة الجبرية على الشيخ المؤسس الشهيد أحمد ياسين في أكتوبر عام 1998م، في محاولة منها لوقف نشاط الحركة في أعقاب سلسلة عمليات استشهادية ضد الكيان الصهيوني أدت إلى مقتل وإصابة العشرات من المستوطنين.
اغتيال القادة
وبعد فشل حملات الاعتقال المتتالية في ثني حركة حماس عن طريقها ووضع حدٍ لمقاومتها المتصاعدة، لجأ الاحتلال إلى سياسة اغتيال القادة أملًا منه في التخلص من الحركة ومقاومتها، فمنذ عام 2001 وحتى 2004م، اغتال الاحتلال عددًا من قادة الصف الأول لحركة حماس، بدأها باغتيال القائدين جمال منصور وجمال سليم عام 2001م، ثم اغتيال القائد العام لكتائب القسام الشيخ صلاح شحادة عام 2002
وفي عام 2003 أقدمت طائرات الاحتلال على اغتيال عضو المكتب السياسي للحركة د. إبراهيم المقادمة، لتعود بعدها وتغتال عضو المكتب السياسي المهندس إسماعيل أبو شنب في العام نفسه، وفي عام 2004 وسّع الاحتلال دائرة الاغتيال لتطال قائد الحركة ومؤسسها الشيخ أحمد ياسين، وبعدها بشهر فقط اغتالت قوات العدو قائد الحركة في قطاع غزة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي.
وخلال معركة الفرقان اغتال الاحتلال عضوي المكتب السياسي د. نزار ريان والوزير سعيد صيام، وفي نوفمبر عام 2012م، اغتال الاحتلال قائد أركان المقاومة وعضو المكتب السياسي للحركة القائد أحمد الجعبري، كما اغتال أغسطس عام 2014م، اثنين من أعضاء مجلسها العسكري العام لكتائب القسام، الشهداء القادة محمد أبو شمالة، ورائد العطار، وفي مايو عام 2021م، وخلال معركة سيف القدس اغتال الاحتلال قائد لواء غزة باسم عيسى، وثلة من قادة القسام ومهندسيها.
سعى الاحتلال في كل مرة يغتال فيها قائدًا من حماس إلى إيقاف جذوة المقاومة والتخلص منها، لكنه في كل مرة يعود خائبًا، فالحركة بعد كل عملية اغتيال تُعيد تموضعها وتشد من أزرها تعزيزًا لمبدأ التضحية وتعبيّدًا لطريق التحرير بدماء قادتها ومجاهديها.
صمود أسطوري
منذ فوز حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي عام 2006م، سعى الاحتلال إلى إجهاض تجربة حماس خشيةً من تنامي قدراتها، ففرض عام 2007 حصارًا خانقًا على غزة برًا وبحرًا وجوًا، لإسقاط حكم حماس، هذا الحصار المستمر منذ 16 عامًا جعل القطاع عبارة عن سجن كبير، وأثّر في جميع جوانب الحياة؛ وبعد فشله في إسقاط الحركة عبر الحصار، لجأ إلى استخدام القوة للقضاء على حماس وإنهاء حكمها، ووقف صواريخ المقاومة نهائيًا، كان هدفًا أساسيًا من الحرب التي شنها الاحتلال في ديسمبر عام 2008 على قطاع غزة، مدمرًا الوزارات والمقرات الحكومية والبنية التحية للقطاع.
استعداد المقاومة لرد العدوان وحماية شعبنا كان حاضرًا في الميدان، إذ أظهر شعبنا صمودًا أسطوريًا، وأظهرت المقاومة بسالة في مواجهة العدوان، وأثبت أنها رقم صعب لا يمكن تجاوزه أو القضاء عليه، فاستمر إطلاق صواريخها تجاه أهداف الاحتلال العسكرية، حتى آخر لحظة من لحظات العدوان، ليفشل الاحتلال في تحقيق أهدافه وينسحب من غزة يجر أذيال الهزيمة.
معركة الاستنزاف
بعد فشل الاحتلال في معركة الفرقان، عمد إلى سياسة الاستنزاف لتركيع المقاومة، فشن عدوانًا متكررًا على قطاع غزة، أملًا في القضاء على حركة حماس وتدمير مقدراتها ومواقعها العسكرية، والتي كان أشهرها معركة العصف المأكول التي استمرت 51 يومًا.
أظهرت معركة العصف المأكول تفوقًا لدى كتائب القسام، من خلال مفاجآتها النوعية والتي بدأتها بعملية زيكيم البطولية بعد ساعات فقط من بدء العدوان، تبعتها عملية الإنزال خلف الخطوط في موقع صوفا شرق رفح، ثم تلتها عدة عمليات إنزال في كل من موقع أبو مطيبق، وموقع 16 العسكري، وموقع "ناحل عوز"، ثم أسر الجنديين "شاؤول أرون" و"هدار غولدن".
تكبّد الاحتلال خسائر موجعة خلال المعركة، فاعترف بمقتل 64 جنديًا وسبعة مستوطنين، وإصابة العشرات، عدا عن الخسائر الاقتصادية والمادية الكبيرة، ليفشل في تحقيق أهدافه، ويسجل شعبنا ومقاومته انتصاره الكبير.
وبرغم كُل محاولات الوأد والملاحقة المستمرة لحركة حماس وقادتها لم تحد الحركة عن طريقها، وظلت بوصلة ثابتة نحو القدس ومشروعها المقاوم، وتؤكد في كل مرة أنها عصيّة على الانكسار، وأنها تستمد قوتها من شعبنا وإرادته حتى يبزغ فجر التحرير القادم.
"حماس، #الطوفان_الهادر".. 35 عاما من الجهاد والمقاومة لم تغير أو تبدّل
— وكالة شهاب للأنباء (@ShehabAgency) December 14, 2022
انتاج وكالة #شهاب pic.twitter.com/w8i2S4mVFu