بعد تصريحات مُتبادلة وغير مسبوقة خلال الساعات القليلة الماضية، بدأت خلافات الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو تخرج إلى العلن، ما يشير إلى بوادر أزمة بين الطرفين.
ففي تصريح غير مسبوق قال نتنياهو، فجر الأربعاء إن "إسرائيل دولة ذات سيادة تتخذ قراراتها بإرادة شعبها ولا تقوم على ضغوط من الخارج بما في ذلك من أفضل الأصدقاء"، في إشارة إلى الولايات المتحدة.
تصريح نتنياهو جاء في تغريدة عبر تويتر تعليقا على إعلان بايدن أنه لن يدعو رئيس الوزراء "الإسرائيلي" إلى البيت الأبيض في المستقبل القريب.
وقال بايدن للصحفيين قبل ركوب طائرة الرئاسة بمطار "رالي دورهام" بالولايات المتحدة، مساء الثلاثاء: "مثل العديد من المؤيدين الأقوياء لإسرائيل، أنا قلق للغاية، لا يمكنهم الاستمرار في هذا الطريق، ولقد أوضحت ذلك نوعا ما".
وأضاف: "نأمل أن يتصرف رئيس الوزراء بطريقة تمكنه من محاولة التوصل إلى حل وسط حقيقي، لكن هذا لم يتضح بعد".
ولدى سؤاله عما إذا كان سيدعو نتنياهو إلى البيت الأبيض قريبا، أجاب بايدن قائلا: "لا، ليس في المستقبل القريب".
وهذه المرة الأولى يتحدث فيها بايدن لوسائل الإعلام عن الأزمة "الإسرائيلية" الناجمة عن محاولة الحكومة تمرير قوانين للتعديل القضائي المثيرة للجدل.
لم يصمت نتنياهو على تصريح بايدن ولم يخف وجود خلافات مع الولايات المتحدة، وقال في تغريدته: "لقد عرفت الرئيس بايدن منذ أكثر من 40 عاما، وأنا أقدر التزامه طويل الأمد تجاه إسرائيل".
وأضاف: "التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة غير قابل للكسر ويتغلب دائما على الخلافات العرضية بيننا".
واستدرك: "إدارتي ملتزمة بتعزيز الديمقراطية من خلال إعادة التوازن المناسب بين الفروع الثلاثة للحكومة، والذي نسعى جاهدين لتحقيقه من خلال توافق واسع في الآراء".
بدوره، قال وزير الأمن القومي "الإسرائيلي" إيتمار بن غفير لإذاعة الجيش الإسرائيلي، الأربعاء: "إسرائيل لم تعد نجمة على العلم الأمريكي، نتوقع أن يفهم بايدن هذه النقطة".
وأضاف: "في حين أن إسرائيل تقدر النظام الديمقراطي هناك، فإن هذه المنطقة بالتحديد هي التي تحتاج إلى فهم أن إسرائيل دولة مستقلة". وفق تعبيره.
وتابع بن غفير: "يجب أن يكون واضحا في جميع أنحاء العالم، الناس هنا ذهبوا إلى الانتخابات ولديهم رغباتهم الخاصة".
زيارة نتنياهو لواشنطن
وكان الجدل حول إمكانية دعوة بايدن لنتنياهو إلى زيارة البيت الأبيض قد برز منذ تشكيل الحكومة "الإسرائيلية" الفاشية الحالية نهاية العام الماضي.
وعادة ما يوجه الرؤساء الأمريكيون دعوات لرؤساء حكومات الاحتلال "الإسرائيلي" لزيارة البيت الأبيض في الأيام وعلى أبعد تقدير الأسابيع الأولى لتشكيل الحكومة، لكن نتنياهو لم يتلق الدعوة.
وسبق أن تحادث بايدن ونتنياهو هاتفيا أكثر من مرة، وفي كل مرة كان يتم الإعلان عن لقاء قريب بينهما لكنه لم يحصل.
وصباح الثلاثاء، قال السفير الأمريكي لدى "إسرائيل" توم نايدز، لإذاعة جيش الاحتلال، إنه "ستتم دعوة نتنياهو قريبا إلى البيت الأبيض".
لكن واشنطن سرعان ما نفت الثلاثاء، وجود أي خطة مدرجة على الأجندة بشأن زيارة نتنياهو، وفق تصريحات لنائبة متحدث البيت الأبيض أوليفيا دالتون.
وذكرت دالتون أنه "لا توجد خطة بهذا الشأن حتى الآن".
وأفادت بأن نتنياهو "سيقوم بزيارة الولايات المتحدة في وقت ما أسوة بباقي القادة الإسرائيليين، إلا أن هذه الزيارة ليست مطروحة في الأجندة حاليا".
وردا على تعليقات بايدن، قال وزير الثقافة والرياضة "الإسرائيلي" ميكي زوهار، في تغريدة مساء الثلاثاء: "من المحزن أن يقع بايدن ضحية الأخبار الكاذبة من إسرائيل"، حول التعديلات القضائية.
لكنه حذف لاحقا التغريدة، وغرد قائلا: "احتراما لعلاقتنا المهمة مع أكبر حليف لنا، الولايات المتحدة الأمريكية، حذفت التغريدة".
وأضاف: "ينفطر قلبي لرؤية مقدار الضرر الذي لحق بإسرائيل من كل الأخبار المزيفة التي تم نشرها فيما يتعلق بإصلاحنا القانوني المبرر".
وأعاد زوهار، فجر الأربعاء، نشر تغريدات نتنياهو.
تصريحات "غير مسبوقة"
موقع "تايمز أوف إسرائيل" الإخباري، وصف الأربعاء تعليقات بايدن الانتقادية بأنها "غير مسبوقة"، قائلا: "يبدو أن التعليقات العامة الانتقادية غير المسبوقة من الرئيس تتعارض مع رسائل إدارته خلال الـ24 ساعة الماضية".
واعتبر أن رسائل إدارة بايدن تظهر أن "مسؤولين أمريكيين يشيدون مرارا بقرار نتنياهو الإثنين، تعليق "الجهود التشريعية" لائتلافه للحد بشكل جذري من سلطة المحكمة العليا والدخول في مفاوضات مع المعارضة للتوصل إلى حل وسط بشأن الإصلاح القضائي".
من جهتها، ذكرت صحيفة "هآرتس"، الأربعاء، أن المسؤولين الأمريكيين "يدركون بشكل متزايد أن نتنياهو مدين لحلفائه من اليمين المتطرف أكثر مما كانوا يعتقدون في الأصل. وقد شرح (وزير الخارجية الأمريكي أنتوني) بلينكن نهج الولايات المتحدة العام الماضي عندما قال إنها ستتعامل مع إسرائيل على أساس السياسة وليس الشخصيات".
وأضافت: "من جهته، سعى نتنياهو لإقناع المسؤولين الأمريكيين بأنه الشخص الذي يتحكم بعجلة القيادة، رغم الخلافات المستمرة".
واستطردت: "لكن بعد أحداث نهاية الأسبوع الماضي يدرك المسؤولون الأمريكيون الآن أنه في حين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قد يدعي أنه يضع يديه على عجلة القيادة، فإن الآخرين يضعون أقدامهم على الغاز".
بدورها، اعتبرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن ما قاله بايدن بشأن عدم دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض "تصريح لم يبدر مثيل له إلى الذاكرة منذ سنوات عديدة".
وقالت الصحيفة الأربعاء: "تفاجأت إسرائيل كثيرا بتصريح الرئيس بايدن، باعتباره أخطر تصريح للإدارة الأمريكية بشأن الإصلاحات القضائية، صدر بصوت الرئيس الأمريكي".
ونقلت عن مسؤول سياسي "إسرائيلي" كبير، لم تسمه: "هذا يعكس الغضب والإحباط في واشنطن من نتنياهو وحكومته".
وأضاف المسؤول أن التصريح هو تعبير "بأن الأمريكيين لا يعتقدون أن تعليق التشريع كاف ويريدون أن يوضحوا أن الأزمة لم تنته حقا".
وتابع: "تصريح بايدن القوي بأن نتنياهو لن تتم دعوته إلى واشنطن قريبا هو الأصعب بالنسبة لإسرائيل، ويهدف إلى إرسال رسالة إلى الحكومة: لا تخدعوا أنفسكم بأننا عدنا إلى طبيعتنا. أنتم ما زلتم في فترة اختبار، ونريد أن نرى أنكم تتوصلون حقا إلى حل وسط فيما يتعلق بالإصلاحات القانونية".
الجماعات اليهودية بالولايات المتحدة
على ما يبدو فإن بايدن يستمد التشجيع في الضغط على نتنياهو من الجماعات اليهودية بالولايات المتحدة وهي في غالبيتها مؤيدة للحزب الديمقراطي.
وقالت منظمة "جيه ستريت" اليهودية الأمريكية في بيان نشرته وكالة الأناضول، الثلاثاء: "الزيارات التي يقوم بها رئيس وزراء "إسرائيل" إلى البيت الأبيض هي رمز مهم للعلاقة الوثيقة بين بلدينا. والغرض منها المساعدة بإعادة تأكيد وتعزيز أسس تلك العلاقة بما في ذلك القيم الديمقراطية التي تعتز بها الدولتان".
وأضافت: "ومع ذلك، يواصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليوم قيادة هجوم غير مسبوق ومستمر على نظام الضوابط والتوازنات الديمقراطي في إسرائيل الذي يتعارض بشكل مباشر مع تلك القيم المشتركة".
وتابعت بشأن إعلان نتنياهو تعليق التشريعات بشأن "الإصلاح القضائي" المثير للجدل: "التوقف القصير في تقديم جزء تشريعي واحد من هذا الاعتداء المتعلق بالقضاء لا يزيل التهديد الوجودي للديمقراطية الإسرائيلية الذي يمثله الإصلاح الشامل الذي أوضح نتنياهو أنه ينوي استئنافه خلال الجلسة التشريعية في مايو/أيار، بعد اقتراب العطلات".
وأفادت المنظمة بأنه "لا ينبغي لإدارة بايدن أن تعطي مصداقية لا داعي لها للتأخير التكتيكي لرئيس الوزراء بشأن هذا التشريع حيث يستمر الترويج بنشاط لمقترحات لتغيير طبيعة حكم إسرائيل بشكل جذري من قبل وزرائه وحكومته".
وزادت: "لذلك يسعدنا أن البيت الأبيض قال إنه لا توجد دعوة وشيكة لرئيس الوزراء نتنياهو لزيارة واشنطن العاصمة".
وتابعت: "سيكون من غير المناسب وضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية أن تستضيف حكومة الولايات المتحدة رئيس الوزراء في اجتماع بالبيت الأبيض ما لم وإلى أن تنتهي محاولته للإصلاح القضائي والهجمات الكبرى الأخرى على ديمقراطية إسرائيل أو يتم حلها عبر الإجماع".
يشار إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية اختلفت مع نتنياهو بشأن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وأعلنت مرارا تأييدها لحل الدولتين مع الفلسطينيين رغم معارضة نتنياهو له.
يشار إلى أن الإدارة الأمريكية، تواجه صعوبة في التعامل مع حكومة الاحتلال الحالية برئاسة نتنياهو، لا سيما أنها تضم مجموعة من الوزراء المتطرفين الفاشيين، على رأسهم إيتمار بن غفير وزير ما يسمى "الأمن القومي" وبتسئيل سموتريتش وزير المالية، الذي أثار ضجة عالمية كبيرة بعدما دعا إلى "محو" قرية حوارة الفلسطينية في نابلس بالضفة الغربية.