أسامة سعد

أبو مازن يتشبث بالشرعية الدولية!

رن جرس الهاتف الخاص بالسيد عزام الأحمد وهو يتهيأ لتوقيع اتفاقية المصالحة التي أعدَّتها الحكومة الجزائرية بعد أن توافقت عليها القوى الفلسطينية المجتمعة في ضيافة الجزائر، التقط السيد عزام الأحمد هاتفه ليطالعه، فإذا به الرقم الخاص بأبي مازن، وعلى الفور يضغط السيد عزام على زر فتح المكالمة ليأتيه صوت أبي مازن: "إياك أن توقع أي اتفاقية لا تنص على التزام حكومة الوحدة الوطنية المتفق على تشكيلها بالشرعية الدولية"، فيهز عزام الأحمد برأسه بخضوع، "وكان أبو مازن أمامه" مُبديًا التزامه التام بتعليماته، ثم يغلق هاتفه ويعلن لجميع الحضور أنه لن يوقع الاتفاقية إلا بعد إضافة عبارة "التزام الحكومةِ الفلسطينيةِ الشرعيةَ الدولية" على وثيقة المصالحة، وفي هذه اللحظة سادت حالة من الهرج تنم عن مدى الاستهجان والاستنكار لهذا النكوص المفاجئ عما اتُّفِق عليه.

الجملة التي أصر أبو مازن على إضافتها لم تكن تحظى بموافقة حركة حماس أو الجهاد أو الشعبية أو الصاعقة وجميع القوى الفلسطينية التي تلفظ نهج أوسلو، وهي بذلك تُعبِّر عن الأغلبية العظمى للشعب الفلسطيني، خاصة وأن الشرعية الدولية التي يقصدها أبو مازن ما هي إلا تعبير أنيق عن التشبث بالبقاء في مستنقع أوسلو والتنسيق الأمني والمفاوضات العبثية مع الاحتلال، تلك القضايا التي أجمع الشعب الفلسطيني على ضرورة الانعتاق منها، وذلك من خلال مؤتمر الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية المنعقد في بيروت والمعزز بقرارات المجلس المركزي الفلسطيني التي يرفض أبو مازن تنفيذها حتى اللحظة. 

تشبث أبي مازن بالشرعية الدولية ليس الهدف منه التشبث بحقوق الشعب الفلسطيني كما زعم كل من تساوق مع توجه أبي مازن، فالشرعية الدولية المُدّعاة ضَرَبَ بها الاحتلال عُرض الحائط عشرات المرات، ولم يلتزمها يومًا حتى، وهي لا تلبي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني الذي وقع عليه ظلم تاريخي من القوى الاستعمارية التي لا تزال متحكمة في القرار الدولي الذي يُعبر عنه "بالشرعية الدولية".

تشبث أبي مازن "بالشرعية الدولية" ليس إلا وسيلة لإفشال أي محاولة للملمة شتات الشعب الفلسطيني، لكونه يعلم أن القوى الفلسطينية الحية تأبى على نفسها الخضوع لذات المسار السيئ الذي خاضه أبو مازن وفريقه، وما زال يصر عليه حتى اللحظة، وبعد مرور ثلاثين عامًا من الفشل الذي أودى بالقضية الفلسطينية إلى غياهب التيه والنسيان وأسقطها عن جدول أولويات المجتمع الدولي التي كانت تحظى دائمًا برأس أولوياته.
أبو مازن وضع هذا الشرط بوصفه شرطًا تعجيزيًّا أمام تشكيل أي حكومة وطنية فلسطينية تعبر فعلًا عن مصالح الشعب الفلسطيني، والأمر الأكثر غرابة أن شرط أبي مازن يحكم المستقبل الذي قد لا يوجد فيه أبو مازن أصلًا، خاصة أن الرجل قد بلغ من الكبر عتيًّا، وكأنه يقول للشعب الفلسطيني والفصائل الفلسطينية: إنني سأفرض عليكم "نهجي" حتى في حال غيابي عن المشهد.

من بديهيات العمل السياسي أن أي حكومة وطنية لا يحكمها إلا إطار المصلحة الوطنية في علاقاتها والتزاماتها تجاه المجتمع الدولي، وعلى هذا الأساس يكون تحركها وتنسج علاقاتها في الأوساط الدولية، والكل الفلسطيني تقريبًا -باستثناء أبي مازن وفريقه- يُجمِع على أن المصلحة الوطنية الفلسطينية تُعنى بضرورة لفظ مسار أوسلو والتوافق على برنامج وطني يعبر عن نبض الشارع الفلسطيني الذي لا يمكن أن يقاس إلا من خلال انتخابات حرة ونزيهة، تلك الانتخابات التي يعطلها أبو مازن حتى الآن ويرهن إجراءها بموافقة الاحتلال على إجرائها في القدس، ومَثَل أبي مازن في ذلك كمَثَل من يأمل التوبة من إبليس.
على أي حال، فإن هذا التحكم المتجبر في إدارة المشهد الفلسطيني ورهنه برؤية أبي مازن الشخصية المعزولة عن الحالة الوطنية تعني أن اتفاق الجزائر ليس إلا حلقة مفرغة تضاف إلى الحلقات التي سبقتها، ولن يؤدي اتفاق الجزائر إلى شيء ملموس على أرض الواقع؛ الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب فعلًا، فكيف يمكن لشخص واحد أن يفرض رؤيته الخاصة على الشعب الفلسطيني بكل مكوناته الفصائلية والشعبية والمؤسساتية؟ وكيف يمكن لهذه المكونات أن تبقى أسيرة لهذه الرؤية وكأنها عاجزة لا حول لها ولا قوة؟

المصدر : شهاب

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد

صيغة البريد الإلكتروني خاطئة