د. ناجي شكري الظاظا || كاتب ومحلل سياسي
الوصف الذي استخدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعقيباً على إعلان تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين والسودان يشي بالأبعاد الاستراتيجية التي تهم إسرائيل. فبعد الإعلان عن التطبيع مع الإمارات تحدث عن اجتماع “العقل الإسرائيلي والمال الإماراتي” في إشارة إلى أنهم ليسوا أكثر من "صراف آلي” ووصف الاتفاقيات الثلاث بأنها "جيدة للأمن والقلب والجيب” في إشارة واضحة إلى التوظيف الاقتصادي للاتفاقيات، فبعد أن كان نتنياهو يبحث لدولته الصهيونية عن "مكان تحت الشمس" أصبح يقول "نحن نغيّر خارطة الشرق الأوسط".
وإذا كانت حالة الضبابية التي حاولت دول التطبيع السابقة واللاحقة اضفاءها على مواقفها تجاه التطبيع، ومحاولة إظهار أن التطبيع مع العدو الإسرائيلي يأتي بقرار وطني، إلاّ أن النتيجة الصريحة كانت بأن قرار التوقيع على التطبيع يأتي بضغوط أمريكية سياسية واقتصادية مباشرة، تتجاوز الزمن السياسي وتقطع المفاوز التاريخية والقومية بين الشعوب العربية وعدوهم! وقد شهدنا جميعاً السلوك الإسرائيلي المستمر في فضح كل اللقاءات التي تمت مع شخصيات ومؤسسات عربية وأخرى إسلامية، ولم تستجب إسرائيل لطلبات هؤلاء بضرورة ستر النشاط التطبيعي إلى حين استواء "الطبخة” وتسوية الأوضاع الداخلية.
الحاجة الأمريكية لحشد أكبر عدد من الدول لتنضم إلى خارطة التطبيع لأهداف انتخابية جمهورية جعلت ادارة الرئيس ترامب تسخر كل طاقاتها لإرغام دول التطبيع للتوقيع على أي شكل من أشكال الاتفاقيات مع إسرائيل، حتى وإن لم تكن التفاصيل نهائية، وبعيداً عن البروتوكولات الدولية في مثل هذه الحالات. ولعل التركيز السافر للجيوش الالكترونية التطبيعية لا تجد ما تسوغ به فوائد التطبيع أكثر من ربطه بعناوين فضفاضة وأهداف لا تستند إلى رأي عام حقيقي. فبعضهم قام باجترار الخطاب الديني المشوه عن علاقة المسلمين باليهود في سياق سخيف بعيداً عن أصل الصراع المبني على وجود الاحتلال الصهيوني وليس الوجود اليهودي. والبعض الآخر ركز على زج مقاطع فيديو مبتذلة لشخصيات مغمورة وأسماء عربية مجهولة للصلاة في الأقصى مع ارتكاب أخطاء تعبدية صريحة من قبيل وضع أحدهم ليده اليسرى فوق اليمنى في الصلاة. أو مقاطع سخيفة تتغنى بكل ما هو إسرائيلي في قفز نفسي وحضاري للقيم القومية والوطنية لبلدانهم، وآخرون عكسوا سذاجتهم بتوقع أن ليالي سمر على شواطئ تل أبيب متناسين أن المقاومة الفلسطينية قد بددت من قبل وهم الأمن الذي خدعت به المنظمة الصهيونية يهود العالم.
إن حالة الضغط السياسي والاقتصادي لدول التطبيع ستستمر لكبح جماح قوى المعارضة الداخلية فيها، وهذا من المفترض أنه يعزز حالة الانقسام الداخلي حول جدوى التطبيع وفوائده على الشعوب، التي ترى وتشاهد أن كل الذين طبعوا منذ أربعة عقود لم يحصلوا على استقرار سياسي ولا تنمية اقتصادية ولا رفاهية اجتماعية، بل على العكس من ذلك تزداد أزماتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما ترغب به إسرائيل لاستمرار تفوقها النوعي في المنطقة ولتحقيق الأهداف الغربية من سبب وجود نظام غريب في المنطقة قادر على استمرار توليد الأزمات والمشكلات بين الدول والشعوب.
التطبيع لا يمثل خطراً على القضية الفلسطينية فحسب، بل هو خطر حقيقي على شعوب المنطقة ومستقبل دولها. إسرائيل كيان استيطاني قائم على التمييز العنصري في سلوكه السياسي والاقتصادي والأمني. إن من يحاول تجاهل ذلك سيجد نفسه في لحظة تاريخية لا ينفع فيها الندم الوطني أو الهروب السياسي، ومن لا يتعظ بالأنظمة والشخصيات التي خدمت لصالح إسرائيل عقوداً في السر والعلن فإنه جاهل بالوقاحة الإسرائيلية ينتحرُ.