أ. عادل ياسين محرر الشؤون العبرية في وكالة شهاب
ألم يكن من الأجدر برئيس الحكومة "الإسرائيلية" الجديد نفتالي بينت أن يقرأ بعض دروس التاريخ ويستخلص العبر ممن سبقوه في التعامل مع غزة، وأن يختصر الطريق لينضم صاغرا إلى قافلة الخاضعين والفاشلين ليجثوا أمامها؛ ويوفر على نفسه المواقف المحرجة والمهينة التي كشفت ضعفه وافتقاره للخبرة السياسية والعسكرية، أو على الأقل تجنب تحمُل مسئولية مقتل القناص على حدودها مؤخرا.
فهل نسى بينت أو تناسي كيف تمكنت غزة من لي ذراع رئيس الحكومة الأسبق يتسحاق رابين صاحب سياسة تكسير العظام وإجباره على سحب قواته جارا أذيال الخيبة تحت وابل الحجارة والعمليات البدائية الفردية رغم محاولاته القضاء على الانتفاضة الأولى على مدار سبع سنوات؛ وهل غاب عنه صاحب اكبر تاريخ إجرامي في تاريخ الكيان آرئيل شارون الذي اضطر للفرار من غزة بعد أن قطعت أصابعه الخمسة حينما حاول ان يمد يده ليغرقها بالمستوطنات والمستوطنين. ألم يقرأ عن إخفاقات رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو على مدار سنوات في إخضاع غزة أو إشغالها في نفسها واضطراره للتخفيف عن الحصار المفروض عليها تحت ضغط فعاليات مسيرات العودة وما تخللها من استخدام وسائل الضغط الناعمة والخشية رغم تأليفه لكتب تتمحور حول كيفية محاربة (الإرهاب).
على أي حال ليس أمامنا إلا أن نردد مقولة "على نفسها جنت براقش" وستجنى إن حاولت حكومة (بينت) ومن لف لفها أو من ستأتي بعدها معاندة غزة أو التفكير في فرض الإملاءات أو تغيير المعادلات أمامها خصوصا بعد الحدث الأخير الذي حمل في ثناياه عدة دلالات:
1. جسّد التفاعل الشعبي والانتقادات التي تلت إصابة القناص بارئيل شموئيلي ومقتله على حدود غزة مدى حساسية المجتمع الإسرائيلي لمسألة الخسائر البشرية وعدم قدرته أو استعداده لدفع الثمن لاسيما وانه لا يزال يتمسك بأسطورة الجيش الذي لا يقهر وبنشوة انتصار 67, ويوهم نفسه إمكانية تحقيق الانتصار السريع بدون ثمن , وقد تجلى ذلك بوضوح بعد تشكيل مجموعة ما يسمى الأمهات الأربع التي طالبت بسحب الجيش الإسرائيلي من لبنان عام 1997 بعد زيادة عدد القتلى , عدا عن الحراك الذي مارسته عائلة الجندي جلعاد شاليط حينما أجبرت الحكومة الإسرائيلية على إتمام صفقة التبادل رغم تداعياتها الكارثية على إسرائيل حسب اعتراف المسئولين والخبراء الأمنيين.
2. أظهرت الوجه القبيح للانتهازية واستغلال مقتل القناص على حدود غزة لتوجيه الانتقادات وكيل الاتهامات لحكومة نفتالي بنت خصوصا من قبل الجهات اليمينة المتطرفة وحزب المعارضة التي يترأسها بنيامين نتنياهو , جسدت مدى الانقسام في الشارع الإسرائيلي الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة.
3. أكدت خشية المستوى السياسي من تحمل مسئولية الخسائر البشرية وما يترتب عليها من دفع اثمان سياسية قد تعيدهم لصفوف المعارضة مرة أخرى أو تخرجهم من الحلبة السياسية نهائيا وذلك في ظل الكشف عن الإخفاقات المتتالية على الصعيد العسكري والسياسي على حد سيان بدءا بحرب لبنان الأولى والثانية والعمليات والجولات العسكرية أمام غزة ؛ بل إن فوز إيهود براك في انتخابات عام 2000 تحقق بعد تعهده سحب قوات الجيش من لبنان.
4. فسرت حرص قيادة الجيش الحالية والسابقة على تجنب القيام بعمل عسكري خصوصا المناورة البرية وأكدت المقولة لتي رددها المحللون أن قائد رئيس هيئة الأركان السابق جادي آيزنكوت قاتل لكي لا يقاتل وان الضباط الكبار يحاولون قدر الإمكان احتواء الأحداث لتجنب الصدام او الدخول في مواجهة مباشرة أو بمعنى آخر تكرار الفشل وتذوق مرارة الهزيمة وما يترتب عليها من مساس بهيبة الجيش واستمرار لتأكل قوة ردعه وكشف أكذوبة الاستعدادات والجاهزية للعمل العسكري على عدة جبهات.
5. اعتراف ضمني للمستوى السياسي والعسكري بان سلاح الجو لا يمتلك القدرة على حسم المعركة أو تحقيق الأهداف وان الجيش البري لم يعد قادرا على خوض حرب او مواجهة حقيقة وذلك بناء على الدراسات المتتالية التي أظهرت تراجع الدافعية للخدمة العسكرية في ظل تهرب الجيل الشاب من الخدمة العسكرية وتبنيه لشعار " جبان عايش أفضل من بطل الله يرحمه" بل إن بعضهم يدفع مبالغ لا يستهان بها للحصول على شهادة مريض نفسيه تعفيه من أداء الخدمة وتريحه من مخاطرها
6. تكرار فشل محاولات ترميم قوة الردع حتى على المستوى الفردي رغم كثرة الحديث عن الإنجازات التي حققتها خلال العدوان الأخير والادعاء بأن الضربات ستدفع المقاومة لقبول التسوية بأي ثمن.
6. بطلان فعالية الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها " إسرائيل " لتفادي الضربات والإهانات وامتلاك الشباب الثائر قدرة على ابتكار وسائل جديدة لمفاجأة العدو والتأكيد على أنه متمسك بخيار المقاومة وماض في طريقه لانتزاع حقه مهما كلفه من ثمن.