الكفر بملته الواحدة كانوا على موعدٍ على تمزيق فلسطين وهتك عرض قضيتها العادلة، ففي الثاني من نوفمبر لعام 1917م صدر وعدٌ من اللورد آرثر جيمس بلفور -وزير خارجية بريطانيا- إلى اللورد ليونيل والتر دي روتشيلد -أحد زُعماء الحركة الصهيونية العالمية- بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بموافقة أمريكا وفرنسا وإيطاليا.
صدر الوعد قبل أن تضع الحرب العالمية الأولى أوزارها وتتقاسم الدول المُنتصرة ميراث الدولة العثمانية، فقد كان من أهم الأسباب التي دفعت بريطانيا إصدار هذا الوعد هو دعم اليهود لها في الحرب العالمية الأولى لما يتمتع به اليهود من نفوذ واسع.
كان وعد بلفور مجرد وعد، حيث لم تنص الرسالة التي أرسلها بلفور لروتشيلد على تعهده بإنشاء دولة لهم، حتى جاء قرار التقسيم المُجحِف (181) والذي صدر في التاسع والعشرين من نوفمبر لعام 1949م، والذي يقضي بتقسم فلسطين لدولتين عربية ويهودية، بموافقة 23 دولة ورفض 13، لتنطلي اللعبةُ أكثر ويكتمل الدور الخياني، حيث اعتبروا هذه الدولة بمثابة إنصاف وتعويض عما لاقاه اليهود على يد النازية، تتوج هذا الوعد بإعلان قيام دولة الكيان المسخة اللقيطة في الخامس عشر من آيار لعام 1948م، على أنقاض البلدات والقرى والمدن الفلسطينية التي اجتثها الاحتلال من أهلها بارتكابه مئات المجازر والمذابح فيها، وكأن فلسطين ملك يمين بلفور ومن أصدروا قرار التقسيم، تناسوا هؤلاء جذورنا الفلسطينية في أرضنا الأبية ليعطوا اليهود -ذيول الأمم- وطناً قومياً لهم في فلسطين.
هذا الوعد الذي أعطاه من لا يملك لمن لا يستحق تناسى الشرعية الدولية التي تكفلت هيئاتها بحفظ السلم والأمن العالمي، وطمس تاريخ شعبٍ سكن فلسطين منذ آلاف السنين، وكتب عليه الضياع والتشريد، ولا تزال آثار هذه الجريمة حاضرة في حياته ويُعاني ويلاتها.
توالت الثورات الفلسطينية بعد هذا الوعد المشئوم للدفاع عن الحق والوجود الفلسطيني على أرضه، منها ثورة 1925م وثورة البراق 1929م، إلى الثورة الفلسطينية الكبرى 1936م والتي تعامل معها الاستعمار البريطاني بكل شراسة وبطش ووحشية لتوفير الظروف المُلائمة لوضع وعد بلفور موضع التنفيذ، ومن خلال زيادة أعداد المُهاجرين الصهاينة إلى فلسطين، وتشكيل وحدات صهيونية عسكرية إرهابية لتُجابه السكان الأصليين، في الوقت الذي كانت الحركات الوطنية الفلسطينية تُعاني الركود وعدم قُدرة زعمائهم على قيادة الجماهير العربية ضد الصهيونية والاستعمار البريطاني.
أربعة أعوام وقرن من الزمان على الظلم والإضطهاد واحتلال لم يكن له أي مُبرر الذي مرَّ على فلسطين وشعبها الذي لا يزال يدفع الثمن، بريطانيا ستظل ملزمة بالتكفير عن هذه الخطيئة وهذه اللعنة التي ارتكبتها بحق أهل فلسطين الذي تشتت في أسقاع العالم جراء هذا الوعد الملعون، وتتكفل بعودة اللاجئين الفلسطينيين الذي هُجروا من قراهم ومدنهم عنوة وقهراً، ودفع التعويضات لهم ودعمهم في حقهم في العيش بحرية وكرامة وإستقلال.
وعدٌ باطل لا أخلاقي وغير قانوني سيتبدد بوعد الله بالنصر والتمكين للفئة المؤمنة المصابرة والمُرابطة في فلسطين، رغم كل الدعم العالمي الذي يُحاول الصهاينة الحصول عليه، إلا أن هذا الوعد لم يتحقق على أرض الواقع حتى الآن، فالشعب الفلسطيني لا يزال يرسم مشاهد الصمود والثبات والرباط على أرضه والتمسك بثوابته ومبادئه، رغم الحروب المتلاحقة التي خاضها، والمؤمرات الدولية التي نُسجت للنفث في عزيمته وإرضاخه للقرارات الظالمة، إلا أننا كشعب عربي فلسطيني مسلم نرفض كل قرار وكل اتفاق وكل توقيع وُقّع، كان ما كان، ما لم يحمل في مُحتواه فلسطين دولة عربية إسلامية مُستقلة، عاصمتها القدس الشريف، الإسلام دينها، والقرآن دستورها، فهذه ليست مطالب تعجيزية، وليست إرهاب، ولا مُحاربة للعالم، إنما هو تاريخنا وثقافتنا وحقنا الذي اُنتزع منا من غير حولٍ لنا ولا قوة، ومهما امتد بنا الزمان سوف نظل نُردده، ونحفره في ذاكرتنا وفي قلوبنا.