في لمسة وفاء من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وخلال معركة سيف القدس عام 2021م التي خاضتها دفاعاً عن القدس والأقصى، كشفت القسام عن صاروخ عياش الذي يصل مداه إلى 250 كم، وأسمته بذلك تيمنا بالشهيد القائد المهندس الأول يحيى عياش، واستخدمته في قصف مطار رامون جنوب فلسطين المحتلة على بعد نحو 220 كم من قطاع غزة، وغدت بذلك صواريخ القسام تغطي كل مساحة فلسطين المحتلة.
شكل المهندس الأول لكتائب القسام الشهيد يحيى عياش نقلة نوعية في مسار العمل المقاوم وتطوره، وذلك بعد دوره الكبير والبارز في ابتكار العمليات الاستشهادية كأسلوب جديد ونوعي من أساليب المقاومة التي أذلت الاحتلال وأعجزته عن مواجهة أبطال القسام.
ارتبط اسم العياش في الوعي الفلسطيني بعمليات سقف الباص الطاير، والعمليات الاستشهادية النوعية، والأحزمة الناسفة التي حوّلت أبطال شعبنا إلى قنابل موقوتة تسير في شوارع أرضينا المحتلة وتحمل الموت الزؤام لعدونا ومستوطنيه.
وتوافق اليوم الخامس من يناير الذكرى السابعة والعشرون لاستشهاد أحد أبرز قادة كتائب القسام، ومهندسها الأول يحيى عياش، فيما لا تزال بصماته حاضرة حتى يومنا هذا، ويواصل تلامذته طريقه حتى طرد الاحتلال من أرضنا عما قريب.
الميلاد والنشأة
في قرية رافات جنوب غرب نابلس في الضفة الغربية المحتلة، كان ميلاد الشهيد المهندس يحيى عياش، في السادس من مارس عام 1966م، أتم تعليمه في بلدته، ثم حصل على شهادة البكالوريوس من كلية الهندسة بجامعة بيرزيت قسم الهندسة الكهربائية، وتزوج إحدى قريباته وأنجب منها ولدين، هما البراء ويحيى، وقد أصبحا شابين يافعين يحملان اسم والدهم بعد استشهاده.
التحق خلال الانتفاضة الأولى بصفوف كتائب القسام، وأمام شح السلاح والمواد المتفجرة، سخر المهندس كل جهده ووقته من أجل تصنيع المتفجرات التي من الممكن أن تعوض نقص السلاح، لينجح في تنفيذ أول تجربة لصناعة عبوة مفخخة بأحد كهوف الضفة بداية عام 1992، ويغدو المهندس الأول في صناعة المتفجرات.
العمليات الاستشهادية
وأمام التطور النوعي الذي أحدثه المهندس عياش، وإزاء جرائم الاحتلال المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، ابتكرت كتائب الشهيد عز الدين القسام أدوات جديدة لمواجهة الاحتلال عبر العمليات المفخخة التي أشرف عليها المهندس يحيى عياش، فنفذت الكتائب سلسلة من العمليات الاستشهادية النوعية التي هزت الكيان الصهيوني وأربكت قادته.
وفي الخامس عشر من مارس 1993 نفذ الاستشهادي ساهر تمام أول عملية استشهادية عبر سيارة مفخخة ولأول مرة بمنطقة ميحولا في غور الأردن، وبالتحديد في مقهى "فيلج إن" المخصص لجنود جيش الاحتلال ليقتل ويصيب عشرات الجنود، ليبدأ العياش بها باكورة العمليات الاستشهادية النوعية.
ورداً على مجزرة المسجد الإبراهيمي في الخليل التي ارتكبها المستوطن المتطرف باروخ غولدشتاين ضد المصلين في صلاة الفجر، قاد العياش رد كتائب القسام عبر سلسلة من العمليات الاستشهادية النوعية، أبرزها عملية العفولة في 6/4/1994م، التي نفذها الاستشهادي القسامي رائد زكارنة في محطة حافلات العفولة؛ وأدت إلى مقتل 9 صهاينة وجرح 50 آخرين، وحملت العملية بصمات المهندس الشهيد يحيي عياش، ليخط بذلك عياش شكلًا جديدًا من المواجهة مع الاحتلال.
كابوس الكيان
سرعان ما تحوَّل المهندس يحيى عياش بعملياته الاستشهادية البطولية إلى كابوس يهدد أمن الكيان الصهيوني وقادته؛ حتى قال عنه وزير الأمن الداخلي الصهيوني آنذاك موشيه شاحل: "لا أستطيع أن أصف يحيى عياش إلا بالمعجزة، فدولة "إسرائيل" بكل أجهزتها لا تستطيع أن تضع حدًا لعملياته".
في حين قال أحد أكبر القادة العسكريين لدى الاحتلال شمعون رومح إنه "لمن دواعي الأسف أن أجد نفسي مضطرًا للاعتراف بإعجابي وتقديري بهذا الرجل الذي يبرهن على قدرات وخبرات فائقة في تنفيذ المهام الموكلة إليه، وعلى قدرة فائقة على البقاء وتجديد النشاط دون انقطاع".
وقد بلغ هوس الاحتلال ورعبه من المهندس يحيى عياش ذروته، حين قال رئيس حكومة الاحتلال آنذاك إسحق رابين: "أخشى أن يكون عياش جالسًا بيننا في الكنيست"، في الوقت الذي لقبه الاحتلال بالثعلب، والرجل ذي الألف وجه، والعبقري، والمطلوب رقم واحد.
الاغتيال
وأمام حالة الاستنزاف التي أوجدها عياش لدى الاحتلال عبر إشرافه على العديد من العمليات الاستشهادية التي أودت بحياة ما يزيد على 76 صهيونيا وفق اعترافات العدو، شدد الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة مطاردته له، ما اضطره إلى الانتقال إلى قطاع غزة، ليضع بصمته على العمليات في غزة، وينقل خبراته إلى مهندسي القسام في القطاع.
وفى الخامس من يناير من عام 1996 وبعد رحلة جهادية طويلة تمكنت المخابرات الصهيونية من اغتيال المهندس الأول وأحد أبرز قادة كتائب القسام يحيي عياش عبر مادة متفجرة وضعت في بطارية هاتفه النقال ليرتقي عياش شهيدًا.
الثأر المقدس
شيّع عياش مئات آلاف الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما شيّعه تلامذته على طريقتهم الخاصة، لينفذوا سلسلة عمليات الثأر المقدس التي أشرف عليها الأسير المجاهد حسن سلامة، التي هزت قلب الكيان الصهيوني وأثبت أن عياش فكرة والفكرة لا تموت.
وكانت باكورة العمليات الاستشهادية، عبر العمليتين اللتين نفذهما الاستشهاديان إبراهيم السراحنة، ومجدي أبو وردة، من مخيم الفوار قرب الخليل، وتواصلت العمليات حتى بلغ عدد قتلى الاحتلال نتيجتها ما يقارب من 48 صهيونيا حسب اعتراف العدو.
مواصلة الطريق
نجح الاحتلال باغتيال الشهيد القائد يحيى عياش، لكنه فشل في استئصال ما زرعه، فتلاميذه واصلوا طريقه، وتمكنوا من مراكمة قدرات المقاومة حتى بات الاحتلال يحسب لها اليوم ألف حساب.