خاص _ شهاب
في ظل التصعيد المستمر للأحداث في قطاع غزة، شهدت الساحة الفلسطينية تطوراً خطيراً تمثل في استهداف قوات الاحتلال "الإسرائيلي" لطواقم تابعة للأمم المتحدة، ما أسفر عن مقتل موظف أممي وإصابة خمسة آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.
هذا الحادث، الذي وقع في الآونة الأخيرة، أثار موجة من الإدانات الدولية والمحلية، وأعاد إلى الواجهة قضية حماية العاملين في المجال الإنساني وسط الحروب المتواصلة.
ووفقاً لتقارير رسمية وشهادات ميدانية، فإن الهجوم استهدف منشأة أو طاقماً تابعاً للأمم المتحدة، كان يعمل على تقديم المساعدات أو تنفيذ مهام إنسانية في منطقة تشهد توتراً عسكرياً مكثفاً. الحادث لم يكن الأول من نوعه، إذ سبقته حالات مماثلة أثارت تساؤلات حول مدى التزام الاحتلال بالقوانين الدولية التي تكفل حماية المدنيين والعاملين تحت راية المنظمات الدولية.
انتهاكات متواصلة منذ بداية الحرب
ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، واجه عمال الإغاثة ظروفاً كارثية ومخاطر جمة أثناء تأديتهم لمهامهم الإنسانية، حيث تعرضوا لاستهداف متكرر من قبل قوات الاحتلال "الإسرائيلي"، مما أسفر عن ارتقاء مئات الشهداء والجرحى منهم، ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية، فقد أصبحت هذه الحرب الأكثر دموية بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني في تاريخ النزاعات الحديثة، حيث تجاوز عدد الضحايا من هذه الفئة أي صراع آخر شهدته المنطقة أو العالم.
وبحسب بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فقد قُتل أكثر من 300 من عمال الإغاثة في الأراضي الفلسطينية منذ بداية الحرب وحتى أواخر أكتوبر 2024، معظمهم نتيجة غارات جوية "إسرائيلية" استهدفت مواقع ومرافق إنسانية، ومن بين الضحايا، سجلت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) مقتل ما لا يقل عن 188 من موظفيها حتى أبريل 2024، في حين أشارت تقارير أخرى إلى أن العدد الإجمالي لقتلى العاملين في المجال الإنساني قد ارتفع لاحقاً مع استمرار العمليات العسكرية.
ومن أبرز الحوادث التي أثارت صدمة عالمية، استهداف سبعة من موظفي منظمة "المطبخ المركزي العالمي" في أبريل 2024، حيث قصفت طائرة "إسرائيلية" قافلة مساعدات في دير البلح، رغم تنسيق مسارها مسبقاً مع الاحتلال، هذا الهجوم، الذي أودى بحياة موظفين من جنسيات متعددة، بما في ذلك بريطانيون وأستراليون وبولنديون، دفع الرئيس الأمريكي الأسبق جو بايدن للتنديد بالحادث ومطالبة "إسرائيل" بتحقيق فوري، كما شهدت الأشهر اللاحقة استهدافاً متكرراً لعمال إغاثة آخرين، بما في ذلك هجوم في أغسطس 2024 أسفر عن مقتل أربعة من موظفي منظمة "أنيرا" الأمريكية في وسط القطاع.
وتشير التقارير إلى أن هذه الهجمات لم تقتصر على العاملين الميدانيين فحسب، بل شملت أيضاً مرافق إنسانية مثل مراكز توزيع الغذاء والملاجئ التابعة للأونروا، التي تعرضت لضربات متكررة رغم توفير إحداثياتها للاحتلال لضمان سلامتها.
وفي هذا السياق، أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن القوات "الإسرائيلية" نفذت ما لا يقل عن ثماني ضربات موثقة على قوافل ومبانٍ إغاثية دون تحذير مسبق، واصفةً ذلك بانتهاكات قد ترقى إلى مستوى "التجويع كأسلوب حرب".
وقد أثارت هذه الأحداث موجة غضب دولية واسعة، حيث وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، غزة بأنها "أصبحت المكان الأكثر خطورة لعمال الإغاثة"، مشدداً على أن استهدافهم يعرقل بشكل كبير إيصال المساعدات لأكثر من مليوني شخص يعانون من أزمة إنسانية غير مسبوقة، كما دعا مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى تحقيقات مستقلة في هذه الانتهاكات، محذراً من أن استمرارها قد يشكل "جرائم حرب".
ورغم إعلان وقف إطلاق نار في بعض المراحل، فإن تقارير حديثة أشارت إلى استمرار الاستهداف، حيث وثقت وسائل إعلام ونشطاء في مارس 2025 هجمات جديدة أدت إلى مقتل وإصابة المزيد من العاملين الإنسانيين في مناطق مثل بيت لاهيا شمال القطاع، هذه التطورات أعادت إلى الأذهان التساؤلات حول فعالية الهدنة واحترام القوانين الدولية التي تحمي العاملين تحت راية المنظمات الإنسانية.
وفي ظل هذا الواقع المأساوي، يواصل عمال الإغاثة في غزة عملهم تحت ظروف استثنائية، بينما تتصاعد الدعوات الدولية لتوفير الحماية اللازمة لهم وضمان تدفق المساعدات دون عوائق، في وقت تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية مع استمرار الحصار والدمار الواسع الذي خلفه العدوان.
إدعاءات كاذبة
وتعرض موظفو مؤسسة "الخير" الدولية في بلدة بيت لاهيا شمال القطاع لاستهداف مباشر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى سقوط شهداء وإصابات في صفوفهم.
وتنكر الاحتلال لاستهداف عناصر الفريق الإغاثي، ونشر عبر منصاته إدعاءات باطلة تفي بأن المستهدفين ينتمون للفصائل الفلسطينية، هذا الحادث وقع وسط تصاعد العمليات العسكرية في المنطقة، ويضاف إلى سلسلة الهجمات التي طالت فرق الإغاثة منذ بداية الحرب، ما يثير مخاوف متزايدة حول سلامة العاملين تحت مظلة المنظمات الإنسانية.
من جانبه أكد الناشط والصحفي علي أبو شنب، صديق شهداء استهداف فريق إغاثي في غزة يتبع لمؤسسة الخير الدولية، أن إدعاءات الجيش "الإسرائيلي" حول الحادث "باطلة ولا أساس لها من الصحة".
وأوضح أبو شنب خلال حديثه لوكالة "شهاب"، أن الشهداء كانوا يشاركون في عمل إغاثي خيري، بينهم صحفيون لتوثيق النشاط، مشيراً إلى أن بيان الجيش تضمن أسماء أشخاص لا علاقة لهم بالفريق، بينما أغفل ذكر آخرين استُهدفوا فعلياً.
واتهم أبو شنب الاحتلال بفبركة الأكاذيب لتبرير جرائمه ضد العاملين في المجال الإنساني، مؤكداً أن استهداف نشطاء الإغاثة وموظفي الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية يعكس سياسة ممنهجة لمعاقبة من يساعد الشعب الفلسطيني.
ودعا إلى محاسبة الاحتلال وكشف زيف رواياته تجاه رواد العمل الخيري والإغاثي في القطاع.
انتهاك للقوانين والمواثيق الدولية
كما أكد رئيس شبكة المنظمات الأهلية ونائب المفوض العام للهيئة الفلسطينية لحقوق الإنسان أمجد الشوا، أن استهداف الاحتلال "الإسرائيلي" لموظفي الإغاثة في غزة ينتهك القوانين الدولية ويمثل تعدياً صريحاً على حقوق الإنسان.
ووصف الشوا خلال تصريح خاص لوكالة "شهاب"، الحرب على القطاع بأنها الأسوأ عالمياً في العصر الحديث، مشيراً إلى أن "إسرائيل" تسعى من خلال جرائمها إلى جعل غزة غير صالحة للعيش ودفع سكانها للهجرة.
وشدد على أهمية المساعدات الإنسانية لتعزيز صمود الفلسطينيين، داعياً إلى محاسبة الاحتلال عبر المؤسسات الدولية وتشكيل لجان تحقيق لمتابعة هذه الانتهاكات.
ويبقى استهداف قوات الاحتلال لموظفي الإغاثة في قطاع غزة وصمة عار تكشف حجم التحديات التي تواجه الجهود الإنسانية في ظل الحرب المستمرة.
فمع ارتفاع حصيلة الشهداء من العاملين في المجال الإنساني، تتجدد الدعوات لضرورة توفير الحماية اللازمة لهم ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم بموجب القانون الدولي، إن استمرار هذه الانتهاكات لا يهدد حياة الأفراد فحسب، بل يعرقل إيصال المساعدات الحيوية لملايين الفلسطينيين الذين يعانون من ويلات الحصار والدمار، مما يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وقانونية للتحرك العاجل لوقف هذا العدوان وضمان العدالة للضحايا.